قلت لصديقي : لقد تحرر التونسيون من عبوديتهم وأصبحوا أحرارا.
قال لي : وماذا عن العرب الآخرين؟!
قلت له : كل يعيش عبوديته حسب إرادته... والأمر نسبي لكل إرادة.
الناس عبيد او أحرار بإرادتهم وليس بإرادة غيرهم.. والطغاة ثمرة الشعوب التي لم تحلم بالحرية وعندما يتحرر شعب من أسباب خضوعه وخنوعه وينشد الكرامة والعزة فإن أول ما يطلبه هو الحرية. ذلك هو ما جعل أبو القاسم الشابي يقرن الحياة بالإرادة التي تجبر الأقدار أن تستجيب لمطالب الشعوب حين تكون الحرية مبتغاهم، لأنه لايبتغي الحرية إلا الأحرار مثلما يروم العبيد حياة السيد والسوط والقيد والمذلة، والحياة المرادة في قول أبي القاسم الشابي ليست حياة الأكل والشرب والمعاشرة وإنما أن يكون للإنسان رأي حر، وفكر مستنير، وإيمان بيقين واختيار.

قال لي : لكن بعض الشعوب العربية تشعر بالاطمئنان في ظل الحكم الاستبدادي.
قلت له : العبد يدمن الخنوع مثلما يدمن الحر معانقة الفضاء !
الانسان الحر : سوي الروح والعقل... أما العبد : مريض ماسوشي... او مريض سادي، لايروق له العيش إلا كخانع ذليل وعبد، او كطاغية عدواني يتلذذ في تعذيب غيره، كلاهما : العبد الماسوشي والعبد السادي نتيجة تربية قمعية وثقافة فاسدة وفكر يعادي الحياة ويكره الحرية.
الحرية.. للعبد.. أكان ساديا او ماسوشيا كالسجن للحر
السوط.. للعبد.. بلسم، والخنوع... عبادة
الجمال في عيون العبد.. شيطان يستحق اللعن، والحق في مفهومه.. عدو تجب محاربته، والحرية في فكره.. عهر ونجاسة.
قال لي : وهل تعتقد أن التونسيين لن يعودوا إلى زمن العبودية وحكم الفرد والعصابة؟!
قلت له : لن يعودوا... لأن ثورتهم ثورة شعب حقيقية يقودها المتظاهرون الذين ارتقى وعيهم الحضاري المدرك لمعنى أن تتحرر الشعوب من ربق الطغيان ككل الشعوب الحرة التي ناضلت على مر التاريخ وقدمت التضحيات الكبيرة ثمنا لنيل الحرية التي ما ذاقها شعب أبي وعاد إلى زمن عبوديته.
إنها ثورة وليست انقلابا عسكريا تقوده زمرة متعطشة للسلطة، ولم يقدها رمز أوحد يتحول مع مرور الزمن إلى دكتاتور آخر، كل الشعب التونسي كانوا قادة، وكلهم كانوا يتسابقون للتضحية طلبا للحرية.
استجاب لثورتهم القدر عندما أرادوا، وانجلى ليلهم عندما أضاءوا، وانكسر قيدهم بعد أن كسروا كل قيود الخوف التي أعاقت خطاهم عقودا طويلة، فنالوا حريتهم التي استحقوها عن جدارة ولن يعودوا إلى الوراء وقد أصبحوا في الأمام،ولن يعودا عبيدا وقد كتبوا بدماء الأحرار تاريخهم الجديد.. المجيد، وغنوا معا أنشودة الحياة !
قال لي : أبارك للتونسيين عرسهم الجديد
أبارك لهم الانعتاق من ظلمة السجن لمعانقة الأشعة
أبارك لهم الموت شهداء.. والحياة أحرارا !!
قلت له مختتما بأبيات أبي القاسم الشابي وأنا أبارك لهم :
أبارك في الناس أهل الطموح
ومن يستلذ ركوب الخطر
وألعن من لا يماشي الزمان
ويقنع بالعيش، عيش الحجر
هو الكون حي يحب الحياة
ويحتقر الميت مهما كبر !!

[email protected]