واخيرا حسم الرئيس التونسي الموقف و تنحى عن السلطة هاربا بجلده کعادة کل رئيس عندما تضيق به الدوائر و تتزلزل الارض تحت قدميه ويجد نفسه أمام شعبه عاريا من کل شئ حتى من ورقة التوت و يجد أن کتابهquot;المتخم سواداquot;، قد اوتي من يساره وان کل حاشيته و زبانيته و أهله و أصدقائه قد أنفضوا من حوله وأن مسؤولية و تبعات کل المساوئ التي کانت تسمى ظلما و نفاقاquot;المنجزاتquot;وquot;المکاسبquot;، قد ألقيت على عاتقه المثقل اساسا بما تنوء من حمله الجبال.


اليوم، في تونس الخضراء، ثورة خضراء بمعنى الکلمة، شعب أخضر يثور ضد دکتاتور متيبس أصفر صارquot;کالعصف المأکولquot; أمام الرفض العارم له، ولم تنفع کلquot;ترقيعاتquot;وquot;زخرفاتquot;وquot;توسلاتquot;الرئيس أمام الوعي الاخضر اليانع بحقيقة کل شئ، هو شعب عظيم ولذلك حسم أمره مع الدکتاتور ولم يقبل أنصاف الحلول ولا محاولات الالتفاف المشبوهة على ثورته الخضراء ولم يقبل بشئ أقل من رحيله عن السلطة فقد ضاق هذا الشعب الاخضر بظاهرة الرئيسquot;الباق الباقquot; و الفائز في کل إنتخابات رغم أنف الجميع، ضاق هذا الشعب الحي ذرعا بالرئيس الوارث لکرسي الرئاسة إنقلابا و يصر على أنه يختلف عن سلفه وانه quot;ديمقراطيquot;و قريب و محب لشعبه وانه سيصنع الغد التليد لکنه في الحقيقة يعيد نفس التأريخ البليد و ذات المساوئ مع فارق بسيط جدا ينحصر في اسم الدکتاتور فقط.


واخيرا، طوى الشعب التونسي البطل الصفحة السوداء لحکم دکتاتوري استمر منذ إستقلال تونس ولحد يوم الجمعة 14/1/2011، حيث وضع حدا نهائيا لهذا الاستبداد و الاستخفاف بمقدراته و إمکانياته ونطق بکلمته الفصل و أعاد الدکتاتور المنتفخ زيفا الى حجمه الحقيقي بل و جعله يبدو أصغر من ذلك بکثير، وقد يتصور البعض بأنه من الممکن جدا ان يقفز نفر آخر على أساس هذه الثورة العظيمة و يفرغها من مضامينها، لکنني لاأدري لماذا أجد نفسي أمام شعب سيثبت للعالم أجمع انه يختلف عن العديد من الشعوب الاخرى وانه سيفرض ارادته في النهاية ولن يسمح لنابليون آخر يتسلل خلسة الى مهجع الثوار و يسلب مبادئ الثورة، يقينا أن الشعب التونسي المتحضر و الواعي اساسا سيصنع غدا نظام حکم يلبي کل طموحاته و آماله و سيلقي بحقبة الدکتاتورية الطويلة التي إجتثتها من الاساس، الى سلة المهملات.


مبروك مبروك مبروك هذا الغد المشرق لهذا الشعب العظيم، وانه لدرس و عبرة بليغة جدا لکل من تعنيه المسألة، و يقينا ان الذي حدث في تونس ممکن جدا جدا تکراره في أي بلد آخر من بلدان المنطقةquot;ولاسيما تلك التي تغلي حالياquot;، من دون إستثناء خصوصا وان معظمها تمتلك کافة المقومات و الاسباب التي تقود الى ذلك، لکن السؤال هو؛ هل سيکون الدرس التونسي أبلغ من الدرس العراقي و يغير الکثير من معالم بلدان المنطقة، أم سيضع العالم يده من جديد على قلبه و ينتظر بفارغ الصبر على من سيحل الدور في المرة القادمة؟