في آذار العام 1991 انتفض العراقيون، في أغلب مدن العراق بغية الخلاص من النظام، لكن صدام لم يسقط.
وكانت وقتها انتفاضة واضحة للعيان لم تنل أهميتها في وسائل الإعلام لسبب وآخر. وفي حين تعاطف العرب مع صدام،
وأسفوا على إسقاطه، شمتوا في زين العابدين بن علي وعدوه مجرما، وفاسدا، وطاغية.
وعلى رغم أن صدام وقتها فكر في الهرب كما جاء في اعترافات صهره حسين كامل بعد فراره إلى الأردن، الا أن شخصية صدام بتركيبها السيكولوجي ووصفها السايكوباثي لم تكن تسمح له بذلك.
ولعلي هنا أجد نفسي مقارنا لما آل إليه الأمر فيما بعد في تونس والعراق، فانتفاضة العراقيين كانت quot;مسلحةquot; وهذا ما منح صدام quot; شرعية quot; ما لوأدها، ناهيك عما رافقها من ظروف سياسية وإقليمية، ومشاعر قومية ومذهبية، ساهمت في قدرة صدام على إخمادها، بينما كانت انتفاضة التوانسة عصيانا مدنيا غير مسلح.
لكن كيف سقط صدام العام 2003..؟
ظاهريا نتفق جميعا على أن الماكينة العسكرية أسقطته، لكن ما كان سيكون ذلك لولا التعاطف الشعبي الذي رافق الغزو العسكري،
ذلك أن العراقيين كان ينظرون بفارغ الصبر إلى لحظة سقوط صدام، ولو انتفض العراقيون لصالح صدام لما سقط.
و عدا جيوب مقاومة بسيطة هنا وهناك، كان ثمة تيار شعبي جارف رافق الغزو، على رغم التكتم عليه، شل أذرع صدام العسكرية، وبحسب عسكريين عايشوا الحرب، وشاركوا في القتال فان الجيش شعر بالعزلة، بين تعاطف شعبي لإزاحة النظام، وآلة عسكرية حديثة شلت قدراته الفنية واللوجستية لتصل الدبابات في زمن قياسي إلى بغداد.
ومقالي هنا يركز على ثلاثة عوامل متشابهة الوصف مختلفة التأثير، الجيش والشعب وشخصية الحاكم.
هذه العوامل الثلاث تتشابه في تونس والعراق كما أدت إلى نتائج متطابقة، لكن التفاصيل تختلف.
فزين العابدين المتردد غير صدام القوي الشكيمة، الذي ينظر الى المعارض على انه عدو يتوجب سحقه، وليس ثمة طريقة للتعامل معه غير السيف، في حين أن بن علي كان يتعامل مع معارضيه بطريقة تقليدية عن طريق السجن والنفي أو الإبعاد.
وفي تونس والعراق فان الجيش وقف حياديا من مسالة السقوط على رغم أن البعض لا يرى غير ذلك في الحالة العراقية.
لكن معلوماتي المستقاة من الميدان تؤكد ان الجيش العراقي ترك صدام وحده في الساحة لا جبنا أو خوفا، بل إيمانا منه بان المعركة
التي أرغم على خوضها ليست معركته، كما أن صدام لم يتح للجيش الاستعداد لها بعد فترة حصار انهارت فيها المعنويات والآلة معا.
أما الشعب فقد انتفض في كلا البلدين، وقدم العراقيون العام 1991 من الشهداء أضعاف ما قدمته تونس، لكن الفرق ان زين العابدين هرب، أما صدام فقد ثبت زارعا المقابر الجماعية في اغلب مدن العراق.
انتفاضة العراقيين الأخيرة العام 2003 كانت خرساء لم تظهر في وسائل الإعلام لكنها أرغمت على صدام على الهرب باتجاه الشمال حيث الأغلبية السنية لا باتجاه الوسط والجنوب حيث الأغلبية الشيعية، ولم يكن اختباء صدام خوفا من جيش الغزو بل من الشعب.
كان صدام يعرف أن الشعب لا يرحمه وسوف يسحل جثته في الشارع، أما جيش الاحتلال فسيوفر له سجنا مريحا أو حتى منفى هادئا، أو نقاهة أبدية في سجن أوربي.
صدام رحل، وزين العابدين رحل..
والفرق.. أن تونس قدمت عشرات الضحايا، أما العراق فمازالت تخومه تعج بمقابر جماعية لم يسنح الوقت لاكتشاف هول ما ارتكبته السكين.
ولعلي هنا أشير الى عوامل صنعت حاكمين عربيين، أبعدتهما الظروف عن الحكم، فكلا الحاكمين وجدا أنفسهما أسراء شخصيات ليست من صنع أيديهما بل من صنع البطانة من حولهما وبالتالي فإنهما ظلا إلى الأبد أسيرا نتلك البطانة.
وكلاهما انتمى الى حزب ظل أقلية داخل المجتمع على رغم أجندته الإعلامية وأساليبه القسرية في ضم الأتباع.
وربما يتحمل توانسة وعراقيون وزر quot;صعودquot; حاكمين صُفّق لهما طويلا، فمنذ السبيعينات مجد العراقيون كثيرا القائد الأوحد،
مثلما عد توانسة زين العابدين قائدا ملهما طيلة فترة ماضية.
[email protected]