أبناء تونس حققوا النصر على نظامهم في جولة واحدة وبضربات قاضية متتالية أذهلت كل العالم. التونسيون تربعوا الآن على قلوب الأحرار والمظلومين في كل مكان وأصبحوا مدرسة في العصيان المدني والثورة البيضاء ورفض الطغيان.

لم يكتف التونسيون بتعهدات رئيسهم زين العابدين بن علي بتوفير فرص عمل خيالية أو اطلاق الإنترنت وتحرير الصحافة أو حتى إعلانه quot;مكرمةquot; بقاءه 4 سنوات فقط على ظهر الشعب، بل طالبوه بالرحيل الفوري دون عودة وأخذ كل تركته السياسية الفاشلة معه. رحل بن علي ولكنه ترك بعضاً من آثاره الثقيلة. هناك من يحاول الآن أن يخطف النصر من البسطاء وأن يبني عليه مجداً جديداً/قديماً، بدعاوي quot;الإصلاحquot; وquot;تسامح العهد الجديدquot; وquot;إشراك الجميع في البناء والحكمquot;!.

طريقة تشكيلة الحكومة الحالية من رجالات العهد البائد لاتبعث على الإطمئنان. هناك من قال بان الوزير الأول محمد الغنوشي إتصل بزين العابدين بن علي لكي ينقل إليه التطورات وآخر التداعيات، وكيف إنه شكلّ الحكومة الجديدة وطعمّها ببعض وجود المعارضة. بإختصار، اذا صح هذا الكلام، فهذا يعني بـأن بن علي مايزال موجوداً في تونس وسوطه في يده.

الثورة التونسية، وهي هنا ثورة جديدة بكل مقاييس الشرق الأوسط، عليها أن تجلب معها كل جديد. الآثار السابقة للنظام الآفل ليست جديدة ولن تقدم جديداً، بل ستعمل على إجهاض الثورة واختطاف النصر من الشعب، وها هي الآن وقد التقطت أنفاسها ورتبت صفوفها وصارت تعمل فوق الأرض وتحتها.

الصديق الدكتور خالد شوكات قال خلال مشاركته في برناج ( الرأي) الذي يقدمه كاتب هذه السطور على أثير الفضائية الكردية (Roj tv) بquot;أن الشعب التونسي قد خط مستقبله بيده ولن يتراجع إلى الوراء، وهو شعب مثقف ومتحضر وذكي ويعرف كيف يتصرفquot;. وكلام الدكتور خالد صحيح، ولكن الحذر واجب ومشروع في مثل هذه الظروف، فالثورات البيضاء تنتهي عادة في منطقتنا بشلالات من الدماء. على النخب التونسية أن تسارع في العودة لكي تعمل جنبناً بجنب مع الناس وبقية القوى الديمقراطية والعلمانية واليسارية لبناء الديمقراطية التونسية الناهضة وإزالة الآثار القديمة للنظام السابق.

على نخب تونس ألا يتركوا الناس عرضة لبقايا النظام القديم، أو ميداناً لتطبيقات أفكار القوى الظلامية.

طوبى لثورة تونس، ومرحى لمفجرها محمد بوعزيزي، وللصامدين هناك، وللعائدين من هنا، من الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق.

التونسيون يعودون الى بلادهم، أما نحن السوريون الهائمون في أقاصي الدنيا، فمتى نعود، وهل سنعود يوما؟.