الاحداث الاستثنائية التي مرت بتونس و اسفرت في النتيجة عن خلع رئيسها زين العابدين بن علي، مهما قيل او يقال عنها فإنه ستبقى اولا و اخيرا شأنا تونسيا داخليا و لايجب أبدا إعتبارها حالة عامة يمکن سحبها على مختلف الاقطار العربية کما تؤکد العديد من التحليلات و توقعات بعض من المراقبين السياسيين. ولسنا هنا في صدد التبرير او التستر او الدفاع عن النظام العربي الرسمي، لکننا في صدد الدفاع عن حالة نعتبر المساس بها سيقود الى متاهاة کبيرة و يخلق اوضاعا غير عادية ستلحق أضرارا فادحة بکل الذي بنته و شيدته الاجيال السابقة، ناهيك عن انها ستسبب أيضا في فراغ أمني و تمزق إجتماعي و ضياع سياسي و إختلال إقتصادي لايمکن تعويضه أبدا ولو بعقدين کاملين من العمل المتواصل، ذلك أن التهديم و الخراب اسهل مايکون وان جهدا قد تم بنائه خلال ثلاثة عقود مثلا، يمکن تحطيمه و تدميره خلال وقت وجيز جدا.

اننا، مع تفهمنا للحالة التونسية و تقديرنا لها، فإننا لانذهب بعيدا جدا في الانسياق معها و التهويل من تأثيراتها و تداعياتها المحتملة على عموم أقطار الوطن العربي ونعتبر ان ماحدث بتونس بمثابة الريح التي ستعصف بکل شئ و ستقلب کل الاوضاع رأسا على عقب، ذلك أن لکل حالة او وضع ما، ثمة حدود او نهايات بيانية لها ولايمکن إعتبارها مسألة في حکم الاطلاق کما هو الحال مع الدين مثلا، ولعل تسليط الاضواء على الثورة الفرنسية العارمة التي أطاحت بالملك لويس السادس عشر، قد يکون مثالا مفيدا بهذا السياق، إذ أن هذه الثورة لم تتسع لتشمل معظم البلدان الاوربية وانما بقيت محصورة و محددة بفرنسا و الشعب الفرنسي لوحده، والامر نفسه يمکن سحبه على الحالة التونسية و المحيط العربي.

ان المشکلة و المعضلة الکبرى في التغيير التونسي المفاجئ الذي حدث و zwnj;أثار الاوساط السياسية و الخبرية و الاستخبارية لکي تطلق آرائها و توقعاتها المختلفة بصدد التأثيرات المحتملة للثورة التونسية، يتم تجييره و إستغلاله من جانب البعض من الاوساطquot;المشبوهةquot;وquot;الانتفاعيةquot; لکي تستخدم من أجل مآرب و أهداف و أجندة أخرى لاعلاقة لها البتة بالثورة التونسية و لابمصالح او طموحات الامة العربية، وهو خطر جلي يحدق بالعرب و يهددهم بصورة أو بأخرى مما يستدعي أخذ الحيطة و الحذر و التيقظ من الوقوع في أخطاء ليس سندفع تبعاتها لوحدنا فقط وانما ستدفعها أيضا الاجيال الاخرى القادمة من بعدنا وعليه من المهم جدا التمييز بين الاشياء و تسمية الاشياء بمسمياتها وعدم الانجراف خلف خطاب ديماغوجي فوضوي إنفعالي يقوم اساسا على الافتراض و يمکن حمله على أکثر من محمل سئ بل و بالغ السوء، وکما ان الذي حدث في تونس قد جاء من آجم و من رحم الاوضاع التونسية ولم تکن هنالك أية تأثيرات خارجية فيها، فإن التغيير فيما لو حدث في أي قطر عربي، فيجب أن يکون بنفس هذا السياق وليس السعي لإفتحاله او تصنيعه او تعليبه من أجل مآرب و غايات مشبوهة.

اننا کمرجعية اسلامية للشيعة العرب، في الوقت الذي نؤکد فيه إحترامنا و تقديرنا و تفهمنا للذي حدث في تونس الشقيقة، فإننا نحذر القوى المضادة للعروبة و الاسلام من التصيد في المياه العکرة و سعيها لإستغلال الثورة التونسية و جعله وسيلة ميکافيلية لبلوغ غاياتهم السوداء، و ندعو و نحث مجددا الامة العربية الى فتح أعينها و رفع درجة وعيها و قرائتها للاحداث و المجريات لکي لاتختلط عليها الامور و حتى لايتمکن أعداء العروبة و الاسلام من النفوذ من خلال خلق و إصطناع بؤر و حالات ثانوية وهمية هي اساسا موجهة ضد الصالح العام العربي و تلحق ضررا بالغا بالامن العربي و تهدد الامن الاجتماعي و اننا واثقون من أن الوعي السياسي العربي هو الان بمستوى يمکنه تمييز الصالح من الطالح وان کيد الاعداء و المنافقين لفي ضلال.

*المرجع الاسلامي للشيعة العرب.