المظاهرات الغاضبة تجتاح الشارع المصري، ربما لن تقف حتى تصل إلى ماوصل اليه الشعب التونسي، وربما تقمع بشدة حتى تتوقف. في كلا الحالتين سوف لن يهدء الشارع المصري، فإن تواصلت المظاهرات فإنها ستطيح بالحكومة المصرية، وإن تقمع فستضل نارا ً تحت الرماد حتى تشتعل مرة أخرى في أقرب فرصة. هل سنشهد سيناريو كالذي حدث في تونس؟ هل سيفر الرئيس في ليلة ظلماء كما فر بن علي من قبل؟
كل المؤشرات تشير إلى أن ثورة الشارع العربي ستقوم بتغيير الإنظمة وتسقط الحكومات. إرتفاع مستوى المعيشة من سكن وصعود عالمي لاسعار المواد الغذائية الأساسية، إضافة للتحول العالمي نحو تآكل الهويات الجمعية مقابل الهويات الفردية التي تطالب بالحريات المدنية وحقوق الإنسان والمساواة على جميع المستويات. ثقافة الإستبداد تلفظ أنفاسها الأخيرة في كل دول العالم مع التحول نحو الديمقراطية والتواصل الإجتماعي بمساعدة العولمة والتقنية الحديثة وسبل التواصل والمواصلات السريعة. أخيرا ً وليس آخرا ً الحرمان النسبي الذي يؤدي حتما ً إلى الإحباط ومن ثم إلى العنف ليتحول إلى ثورة، فالحرمان النسبي هو شكل من أشكال غياب العدالة الإجتماعية.
إن مايجعل الأنظمة الإستبدادية العربية تستمر هو الدعم الكبير الذي تتلقاه من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية، والتي تسير بخط واحد مع الولايات المتحدة. وذلك لخوف الولايات المتحدة على مصالحها في المنطقة إضافة لضمان عدم صعود نجم المتطرفين المسلمين بإسم الديمقراطية إلى السلطة فتتغير المعادلة وينقلب السحر على الساحر. ولكن وفي الأحداث الأخيرة التي حدثت في تونس تشير الدلائل إلى تخلي الغرب عن هذه السياسة من خلال تخلي فرنسا لدعمها لبن على وهو يحتضر ودعم أوباما للشعب التونسي. فهذه المؤشرات تشير إلى تحول إستراتيجي في السياسية الغربية تجاه الحكومات العربية.
إذن، نحن مقبلون على التحول والمسئلة ليست سوى مسئلة وقت. لكن المشكلة كيف سيكون التحول وبأي طريقة؟ على السياسيين الذين يجلسون على كراسيهم أن يدركوا أن زمنهم قد ولى، وعليهم أن يكونوا بمستوى الوعي والمسؤولية تجاه شعوبهم وذلك بعدم إعاقة حركة التغيير والتي إن اعيقت سوف تؤدي حتما إلى العنف وشق صفوف المجتمع وإثارة النعرات الطائفية والإثنية والإيدلوجية ليعلو صوت الإنفصال والفيدرالية.
ربما لم يكن موقف بن علي مشرفا ً على المستوى الفردي لكنه بالتأكيد أفضل بكثير من التشبث بالسلطة ومن ثم سوف يتحول الشارع إلى أتون يصهر كل حركة من حركات التحرر والعدالة الإجتماعية. فما فعله بن علي أفضل بكثير مما فعله صدام حسين والذي كلف الشعب العراقي مليون ضحية وسنوات كثيرة من المستقبل ذهبت أدراج الرياح، بالرغم من أن مافعله صدام حسين يعتبر شجاعة من قبل الكثيرين. هل كان العراق سيقدم هذه الضحايا والخسائر لو صدام حسين تنحى عن السلطة وسمح بالديمقراطية الحقيقية وعمل إصلاحات سياسية؟ بالتأكيد ذلك سوف لن يعطي سبب إلى الولايات المتحدة أن تغزو العراق ويحدث ماحدث. فهل نعتبر؟
إفعلها ياسيدة الرئيس وكن على مستوى المسؤولية! فالشعب المصري ينتظر التغيير وإن لم تفعلها سوف يغير بالقوة، بقوة المظاهرات وحركة الشعب الحي. فالشعب المصري من الشعوب الحية والتي لاتقبل الظلم وإن صبرت عليه وقتا ً طويلا ً. إفعلها ياسيادة الرئيس وارحل، فبذلك ستحفظ دماء شعبك وسوف لن يلومك أحد لتخرج أبيض اليدين بلا دماء. حتى الإصلاحات سوف لن تفيد، فقط الرحيل ومزيد من الحريات المدنية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية. وعلى قول مثل الأرنب والغزال، إن أردت التغيير سوف نغير، وإن لم ترد التغير سوف نغير أيضا ً، فهذا لسان الشارع المصري الآن. إفعلها ياسياداة الرئيس وكن مستقيلا ً خيرا ً من أن تكون مقال، المعزول خير من المقتول، وسوف تكون الشجاع خيرا ً من أن تكون الفار الهارب.
التعليقات