الملاحظ أن الكثير من الخطاب الدينى السائد ينتابه جملة من الإشكالات والتناقضات والتهافتات، فالخطاب عادة كلاسيكى قديم فى أسلوبه ومادته وطرحه لأن بعض رجالاته تعيش القديم وتبتعد عن الواقع كما يبتعد عن الحداثة والعلوم العصرية الحديثة، إضافة أن الإسلاميين ينظرون إلى أنفسهم كممثلين وحيدين لله فى الأرض يطلبون حاكميته (إن الحكم إلا لله) وإرجاع الخلافة وإقامة حكومتهم الإسلامية بزعاماتهم وبالتالى الآخرون هم الكافرون والفاسقون والظالمون (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (فأولئك هم الظالمون) (فأولئك هم الفاسقون) والمجتمع الجاهلى ثم تكفيره كما بنى عليه السيد قطب والمودودى مبادئهما وتبعته أكثر التنظيمات الإسلامية الأخرى كأفرع الإخوان المسلمين وحزب التحرير وحزب الدعوة وغبرها،تاركين الظروف الموضوعية المحيطة بنزول الآيات وإخراجها من سياقها التاريخى وأسباب نزولها وظروفها، فضلا عن الكم الهائل من التسامح والمحبة والحرية فهم يحتكرون فهم النص علما أن أحدا لم يفوضهم كممثلين وحيدين عنه تعالى فى انتقائهم وفهمهم الخاص ومحاولة فرض فهمهم على الآخرين لتوهمهم امتلاك الحقيقة المطلقة. والخطاب الدينى ينظر إلى أصحابه بمثالية عالية من العلم والتقوى والجهاد وكل القيم قد لاتوجد على سطح الأرض ومن جهة أخرى فهو إقصائى اتهامى لغيره خصوصا المثقفين والمفكرين والمتنورين فهو ينظر إلى الآخر نظرة غير حسنة وإلى أفكارها بالريبة وقد سماها سيد قطب بالجاهلية كما تدعو مثلا إلى قتل بعضهم وتيتيم أطفالهم وترميل نسائهم وأخذ أموالهم، وينظر إلى المرأة كشر وعورة وناقصة للعقول والإيمان وسبب للفتنة والإغراء وغيرها مما هو معروف. كما افتقد فى وضع الحلول التفصيلية للمشاكل العصرية الفكرية والعملية لقصور أصحابها ونحن نرى بعضهم لم يفلح فى النجاح فى المدارس الإبتدائية وبعده عن العلوم العصرية والواقع وتحدياته الكبيرة فهو مثلا فى المسألة الإقتصادية يسرد أحاديث فى مدح الفقر والفقراء (الفقير حبيب الله) ومدح الإبتلاء والمحنة وأجرها عند الله تعالى فضلا عن خلط المفاهيم وأدلجة الإصطلاحات ومعرفة الأسباب والنتائج دون علاجات موضوعية علمية وهو المتوقع طبيعيا فإن فاقد الشئ لايعطيه.
الملاحظ أيضا التناقض بين القول والعمل لأصحاب الخطاب الدينى فبينما يدعون الناس إلى الجهاد والورع والزهد فى الدنيا نجدهم أحرص الناس على حب الدنيا وجمع الأموال وحب النساء والترف والتبذير في بيوتهم وسفراتهم وأزواجهم وأرحامهم ويدفعون الفقراء إلى الثورة ويرسلون أبناءهم إلى الغرب (الكافر باصطلاحهم) وقد ترك الدين بعض أرحامهم عندما شاهدوا التهافت بين القول والعمل بينما يدعون إلى عبودية الله وحده، يريدون الناس عمليا عبيدا لسلطاتهم، ومن جانب آخر تحول أرحام المرجعيات الدينية خصوصا الأبناء والأصهار إلى مليارديرية طغاة يرتبطون بالبرجوازيين والقوى الكبرى فى تحالف ضد الأمة والفقراء، كما يلاحظ التهافت بين تصريحاتهم فى الغرب المنفتحة والسمحة لكنها المنغلقة والمتحجرة فى دولنا العربية والإسلامية فى خطاب نارى عنيف يستغرق العواطف والصراخات التى تستغفل العقل وتقصى الآخرين وتستبيح قتل الآلاف الأبرياء حتى من المسلمين بحجج طوباوية غريبة كالمجتمع الكافر والفاجر والفاسق وما يترتب عليه عندهم.
خطاب الإسلاميين زمن المعارضة ينتقد الظلم والفساد والإستغلال لكنه ما أن يتربع الإسلاميون على عرش السلطة بسبب تحالفه مع الإستكبار (الكافر) ومراكز القرار يتحول إلى طاغية ظالم جابر يقمع بعنف وينتهك كل حقوق الإنسان والمرأة والكرامة ملهيا الشعوب بشعارات دينية ويعيش المواطن فى أسوأ معاناة وفقر وحرمان حتى من أبسط الخدمات والكرامة تجعله قد يترحم على العهود السالفة التى لم تحكم باسم الله ولايقتل المواطن البرئ لمجرد اعتراضه على الظلم كأنه مرتد كافر أو محارب لله ولرسوله أو عاص لولاية الفقيه فى حكومات تسميها إسلامية وهى من أسوأ الدكتاتوريات فى العالم وأكثرها عنفا وجهلا فى إيران، وتجربة حكم الأحزاب الدينية فى القطار الأنكلو_أمريكى فى العراق المنهوب والمستباح فهو من أغنى بلدان العالم وأفقر الشعوب لايجد المرء قوت يومه ويبحث فى الكناسة وينام فى الشوارع وهجرة وإبادة الملايين لكن السياسيين الإسلاميين الذين كانوا يعتمدون فى المعيشة على الإعانات الإجتماعية فى دول الغرب صاروا مليارديرية طغاة يحجون إلى البيت الأبيض ويطوفون حول البنتاغون ويسعون بين قم وواشنطن ويرمون الجمرات ضد الفقراء والمحرومين والوقوف بدل عرفات إلى قصور من سموهم سابقا بالشياطين وصار الدين جسرا لمصالحهم وأهوائهم ودنياهم كما قال تعالى (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون الله يستهزئ بهم ويمدهم فى طغيانهم يعمهون) وأحاديثهم قد تعجب البعض لكن أعمالهم تكشف القناع عن وجههم الحقيقى كما قال تعالى (ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) هكذا يتهافت خطاب الإسلاميين وتسقط مصداقيته كما يسقط بعض رجاله ورموز مرجعياته المتحالفة مع الشيطان ضد الشعب وحقوقه وتعبث بملياراته لتتحول إلى إرث للأبناء والأحفاد.
وأحفاد الأحفاد من أموال الشعب وقوت الفقراء المحرومين فهى تحرم الفن والموسيقى والأدب وتغلق النوادى الفكرية والأدبية والثقافية والتنويرية لكنها تبيح سرقة المال العام وقوت الفقراء بالمليارات خصوصا إلى حاشياتها وأرحامها ورجالاتها.
التعليقات