عجيب أمور غريب قضية، استعين بجملة أستاذي الفنان الكبير الراحل جعفر السعدي التي كانت مدار تندر للعراقيين غبر مسلسل تلفزيوني لم يحضرني اسمه ألان، والعجيب والغريب أن بعض الأصدقاء منهم الطيبين، ومنهم الحاقدين الجهلة الذين يخلطون الأوراق عسى وان يصبوا الناس بسهامهم الدنيئة التي تطيش في ضرباتها القريب والبعيد لكي تعمى البصيرة وتلحق بالآخرين الأذى، وهذا ديدنهم منذ كانوا ومازالوا لأنهم غير قادرين أن يظهروا على الملأ كما نكتب نحن اليوم بعلو أصواتنا وأسمائنا.

والعجيب في ذلك إن بعض من الناس quot; سياسيين وإعلاميين فنانين مثقفين وكتاب ومتطفلين quot; في العراق أو من خارجهquot; اليوم ليس لديهم سوى النبش في الماضي بتاريخ بعض من زملائهم، لكن نبش ماضيهم يبدو انه محرم فلا يكشفوا عنه لكونه مدنس بعذابات الناس من تقارير الأمن والمخابرات وأجهزة القمع الأخرى التي كانت سائدة في السجل اليومي للنظام المقبور، فراحوا يكتبون وبأسماء مستعارة مهمتها تلطيخ سمعة وتاريخ الآخرين وإلحاق التهم جزافا دون ضمير، لكنهم يتناسوا إن للتاريخ أفواه وأقلام وضمير.

لقد تعرضت شخصيا لا أكثر من مرة إلى مثل هذه الخزعبلات من أسماء لا اعرفها وليس لها تاريخ معي، ربما لكون اسمي معروف كصحفي وناقد مسرحي وكاتب في الصحف والمجلات العراقية طيلة أكثر من عقدين ونيف، إلى اتهامات لها أول وليس لها أخر، والغريب في لجة هذه الاتهامات من يصفني بالكاتب السياسي الذي كان يطبل ويزمر لنظام صدام حسين في quot;جريدة الثورة quot; التي شغلت فيها محررا في الأخبار المحلية منتصف السبعينات أولا، بوجود الأخ العزيز احمد عبد الصاحب وهادي مسير والمرحومين جاسم محمد حسن وعواد الفدعم، وهما من العناصر الصحافية المهمة والشريفة في هذا المجال ولم يؤشر عليهما للان بأنهما من زمر التطبيل، ثم انتقلت بحكم دراستي في معهد الفنون الجميلة quot; قسم المسرح quot; وبرأي من الزميل الصحفي العزيز زيد الحلي باتجاه قسم quot; المنوعات quot; الذي يهتم بالفن والفنانين، وكان هناك الصحافية المعروفة أنعام كججي، والقدير رياض شابا، وعماد عبود والصديق د. هاشم حسن ولنا مواقف مشتركة ويعرف مواقفي جيدا، وهو ألان في بغداد، كما وجميعهما لا تشابهما شائبة، إما في قسم التحقيقات فكان المرحوم عمران رشيد، والقسم الثقافي الشاعر خالد علي مصطفى، وهم من الذين تعاملت معهم كثيرا في كتاباتي، ولا اذكر مرة باني كتبت خارج ما ذكرت مطلقا، وبالذات في المنحى السياسي، مقالات أو مواقف أو متابعات، لأني لم أكن مهتما بالقضايا السياسية، ولم أكن سياسيا، لكوني في بدايات حياتي الدراسية صباحا، والصحافية مساءا وهمي الكبير أن التهم من المعرفة والثقافة لكي تعينني في مستقبلي المهني، طالما إني اخترت الصحافة.

ولا اعرف من أين للبعض معلومات زائفة بأنني من متملقي السلطة وكتابها في تلك المرحلة، واني كنت مستأثرا بالهدايا والعطايا والمكرمات، وأنا العبد الفقير لله اسكن في بيت مؤجر أشبه بالزريبة في أقصى بغداد، لم يسجل لي ارض أو دار أو رصيد في البنك، وكنت أتلقى المساعدات من أصدقائي سواء من الفنان الكبير فيصل الياسري أو الفنان المخرج محسن العلي بعد إن خصصا لي راتب شهري متواضع أسد فيه حاجتي، والحمد لله جاء فصلي من الجريدة مطلع عام 1988 بقرار من حميد سعيد وكان رئيسا للتحرير،لأسباب أمنية واكرر أمنية، استقصيت أنا أسبابها ووجدت أن هناك تقارير مرفوعة ضدي بالأمن العامة تؤكد بشكوك سلوكي المعادي للنظام بعد التحقق مع المسئول الأمني للجريدة لا أريد أن اذكر اسمه، أو مع عميد معهد الفنون الجميلة آنذاك السيد عبد المنعم خطاوي الذي اخبرني بدوره بل وحذرني من تعقب رجال الأمن.

المهم بعد أكثر من سنة من قرار إبعادي من الجريدة تم اعتقالي والتحقيق معي في الأمن العامة وكنت حينها اعمل في مسرح السلام مع الصديق الوفي الفنان الكبير سامي قفطان، والذي كان له مواقف معي أثناء اعتقالي أو في محكمة الثورة لعل أبرزها زيارته المتكررة لي في سجن أبو غريب، لقد كانت التقارير المرفوعة ضدي من أشخاص اعرفهم جيدا مدمرة توصلني إلى الإعدام، ولا أريد ذكر الأسماء لان بعضهم قد رحل إلى أخرته، والآخرين يعيشون ألان في بغداد ويمارسون أعمالهم وحياته بكل حرية، ولم أتعرض لهم أو انتقم منهم ألان، بل تركت عقابهم عند الله، وأنا الذي كنت المطرود والمسحوق والمشرد والمهدد بالموت والمعيل لعائلة تتألف من أم وصبيتين ووالدة، لقد تعرضت لأبشع أنواع وسائل التعذيب طوال توقيفي التي استمرت ستة أشهر في الأمن العامة بالبتاوين، ناهيك عن الحر الشديد والأكل البائس والمعاملة المزرية، وفي النهاية ذهبت مقيدا إلى محكمة الثورة ليصدر المقبور عواد البندر في جلسته الثانية حكمه بـ quot; 7quot; سجن بتاريخ 22/10/1989 وفق المادة quot;179/1quot; من ق. ع ومصادرة أموالي المنقولة وغير المنقولة وفق القضية 1/ 1989،quot; امن عامة علاقات quot; وبالدعوى المرقمة 670/ج/1989 وتم تعميمه بالاضبارة ( 801/م/ 1989)، والذي يريد أن يتحقق لديه ألان المعلومات الكافية وسيجدها في وزارة المالية التي زودتني بها مشكورة قبل أشهر من ألان.
دخلت في قسم الخاصة بسجن أبو غريب الرهيب وقضيت فيه أكثر من سنتين، وكان معي خيرة من العلماء والعسكريين والأدباء والسياسيين اغلبهم من مجاهدي quot; حزب الدعوة الإسلامية quot; الذي كان بحق مدرسة نضالية تعلمت منها قصص النضال ضد الجور والظلم التي كانت غائبة عني، رجال دين وطلبة وأستاذة وأطباء ومهندسين مثل بعض من عائلة الحكيم ود. حسين الشهرستاني والفنان عبد الوهاب الدايني، كلهم مثخنون بالجراح لكنهم صابرون على العذاب في هذه الزنزانات الضيقة، وخاصة القافات منها، ومنهم من صعد المشانق، ذكرت بعضهم في مقالات وقصص منشورة، بالإضافة إلى بعثيين مناهضين وشيوعيين مناضلين رؤوسهم تصدح بالآلام من ضغط ضرب quot; الصوندات quot; والتعذيب، ومثل تهمتي الكثير في هذا السجن الكبير المظلم الذي أقفلت أسواره لكي تبقى أسراره مغلقة.

خرجت من سجن أبو غريب بقرار عفو ووجدت نفسي ضائعا، بل خائفا من مصير مجهول، عملت بائعا للسكائر في الشورجة ومن ثم للحلويات ومن ثم لأعواد الثقاب وسائق للتاكسي وغيرها، وكنت اذهب لمركز الشرطة مساءا لأوقع لهم بوجودي، ذهبت إلى كليتي quot; كلية الفنون الجميلة quot; لأكمل دراستي لاسيما وأنا في المرحلة الأخيرة، رفضوني في أول الأمر وبعد quot; وساطات quot; استمرت لسنة عدت وتخرجت منها.

ممنوع من التوظيف في الإعلام والتعليم والشباب لكوني تعرضت بالسب على quot;القائد الملهم وولده عدي quot; تعاطف معي المرحوم جاسم محمد حسن وكان حينها سكرتير تحرير وتوسط عند رئيس تحرير quot;جريدة القادسيةquot; للعمل في المساء معه في قسم الأخبار العربية الدولية، لكن بشرط أن لا يظهر اسمي، وبعد أشهر جاء خطاب بتوقيع قصي صدام حسين تقرر بموجبه quot; طردي quot; فورا من الجريدة، لم يشملني لوحدي القرار بل حتى شقيقي سامي الذي كان يعمل مدربا للفنون في مراكز الطلائع.

المهم عادت حليمة لعادتها القديمة لسوق السكائر، ابتاع جملة وأبيع مفرد، إلى أن اخبرني بعد أكثر من سنة الصديق الصحفي احمد عبد المجيدquot; أمين السر لنقابة الصحفيين quot; بحصول الموافقة بالعمل في جريدة العراق، وكان الصديق الصحفي الرائع أكرم علي مديرا للتحرير خير معين لي في سنواتي القليلة معهم.

ولا اعرف من أين أتت التهمة لي باني كنت اعمل مع عدي سواء في صحفه أو محطاته التلفزيونية، مطلقا لم تكن لي علاقة بهذا الشخص لا من بعيد أو قريب والذي كان شديد الكره لي، واذكر حادثة مهمة، انه حينما جرت انتخابات نقابة الصحفيين عام 1996 رشحت اسمي لعضوية لجنة الانضباط، وحققت فوزا ساحقا بأصوات فاق حتى أعضاء مجلس النقابة مع إني لم اعمل دعاية، لكن الأصوات جاءت للتعبير عن موقف الزملاء من قضيتي وظلمي وموقفي الوطني.

وفي مساء يوم الانتخابات وبعد إعلان النتائج طلب عدي باعتباره نقيب الصحفيين من سكرتيره الإعلامي أديب شعبان بدعوة جميع الفائزين لوليمة عشاء في قصره وتهنئتهم، لكن باستثنائي، والانكى من كل ذلك عندما أمر مجلس النقابة بفصلي وإبعادي عن اللجنة وقد اخبرني بالقرار الزميل صباح ناهي الذي يعمل ألان في قناة العربية الفضائية، هذه مواقف عدي معي.

كان ممنوعا علي العمل والاقتراب من الصحف التي كانت تخرجت من تحت عباءته، مع إني كنت أترفع بالعمل مع صحفيين كانوا مطية له، ومغرورين وجهلة بكل قواعد العمل المهني، لكنهم كانوا يرضون غروره وعنجهيته حينما يتجسسون إليه وينقلون تقاريرهم عن الصحفيين.

لقد عملت في جريدة الاتحاد مع الزميل احمد عبد المجيد وكنت مشرفا على صفحة quot; فنون quot; قبل هجرتي، وكانت هذه الجريدة تتبع اتحاد الغرف التجارية والصناعية ولم تخضع لعدي.

ولم تنتهي هذه الاتهامات حتى في غربتي، لقد رفعت عني تقارير مختلفة إلى بغداد تهمتي فيها إني أحرض ضد النظام بكل الوسائل، كما إني أجند معلوماتي للكشف عن مساؤه الفاشية ودكتاتورية، مهددين عائلتي هناك.

وبعد سقوط النظام كتبت الكثير عن الأمل المنتظر في عودة بلدي إلى إنسانيته وأدميته إلى حريته وبنائه، إلى حقوق وواجبات الأبناء عبر انتخابات حرة نزيهة تنتخب قيادة وطنية مخلصة تقود البلاد والعباد إلى الرفاهية، لكن الذي حدث كان أعظم مما كنت أتمنى، وانتهى الحلم الوردي الذي كان يملأ نفوسنا العليلة التي كانت تطمح ببلد مسالم محب، ولكي لا نقفل أبواب الأمل فاني بالتأكيد كنت أتطلع إلى حكومة وطنية تجمع كل الخيرين وتقطع أيادي الفاسدين والمخربين.

حكومة يرى الناس فيها أنفسهم، ولم يكن السيد نوري المالكي صديقا لي، ولم التقيه يوما، لكني وللحقيقة أجد فيه رجل محنك استطاع أن يعيد الأمن وحتى وان كان جزئيا، لكنه فشل بالخدمات لكونه ارتضى أن يكون تحت رحمة الطائفية السياسية في حكومته، وكثرة المتربصين به والمتشددين والفاسدين من تركة ثقيلة.
كما لم تكن لي علاقات مع رؤساء الحكومات أو المسئولين المتعاقبين بعد سقوط النظام، تعرفت على البعض منهم إثناء زيارتهم إلى الإمارات، كان البعض منهم يتذمر من ملاحظاتنا، لذلك قررت الابتعاد والتعبير عن رأي بالكتابة أو عبر شاشات الفضائيات.

لم أتوسل لأحد أو اطلب منه حقوق لي كوني احد السجناء السياسيين والمفصولين بعد خدمة أكثر من 20 سنة،التي تقدمت بها كمواطن عراقي منذ 2004 فوجدت العجب العجيب، منهم يشكك بوجودي، ومنهم يتجاهل حقوقي، والأخر يطلب طبع أصابعي وهلم جر، وللان لم احصل على شيء يذكر.

نعم هاجرت للإمارات البلد العربي الأصيل للعيش الكريم فوجدت ما يفوق التصور من احترام لحقوق مواطنيه والمقيمين جميعا، لا يفرقون بين لون أودين، يحترمونك طالما انك تحترم نفسك وتعمل بإخلاص وجد، وجدت الحب والاحترام التي فقدتها في بلدي منذ زمن، وجدت العلاقات الإنسانية والمساعدة من أهله للعراقيين جميعا، لذلك لم أفكر يوما بالابتعاد عن الإمارات بالرغم من دعوات متكررة لعودتي والعمل.

وقبل أن اختتم هذا الملف المزعج الذي يداهمني فيه بعض المغرضين والفاشلين وفيه القليل من معاناتي، أرجو أن أكون قد وضعت الجواب عن اتهاماتهم الضعيفة لي، وليعلم من هم الذين يكتبون خلف الستار إني حينما اكتب باسمي الصريح مقالات وأراء وتعقيبات لأني لا أخاف من لومة لائم أخرها تعقيب حول ما كتب الصديق الصحفي quot; هارون محمد quot; في إيلاف وهو من الأصدقاء الأعزاء بل والمناضلين، لكني اختلف معه بما يذهب في آراءه وكتباته بميوله وتخندقه باتجاه طرف معين. ولكون سجلي المهني نظيف، وعلاقاتي محترمة مع الجميع، فاني بالتأكيد يسعدني بان نكتب جميعا من اجل وحدة العراق.