ماحدث في تونس و ماأعقبتها من تطورات دراماتيکية في مصر، کان ينتظر أن يکون في ثلاثة بلدان عربية أخرى تأتي سوريا في مقدمتها، ذلك أن حجم و مساحة حرية التعبيرquot;على الرغم من الانتقاداتquot;، لو تم مقارنتها بما هو متاح و سائد في سوريا، فإن الفرق کبير جدا بينهما، وان الظلال الداکنة للأجهزة الامنية ماثل في کل رکن و زاوية من دون إستثناء وان الصلاحية الممنوحة لهذه الاجهزة و الاساليب و الطرق التي تتبعها في تصديها و معالجتها للأمور، تلقى صداه في وجه کل مواطن سوري بل ويمکننا القول انه يتجلى في الصمت الکبير الذي يعتري الشعب السوري حاليا.

سوريا التي شهدت منذ إستقلالها أکبر عدد ممکن من الانقلابات العسکرية وسميت دجلا و کذبا على أنها ثورات، وظلت تلبث تحت نير هکذا تغيرات هوجاء لاخير او رجاء يکمن خلفها سوى طموحات شخصية ضيقة ليس الا، تلبث منذ عام 1963 ولحد يومنا هذا في ظل نظام طوارئ، ولئن طبل و زمر البعثيون السوريون کثيرا لإنقلاب الثامن من آذار عام 1963، فإن الانقلاب الذي قاده حافظ الاسد على اقرانه في عام 1966، والذي سمي بالحرکة التصحيحية، نجح في سد الابواب و الشبابيك وکل المنافذ بوجه المغامرين الانقلابيين وتمکن الرئيس السوري الراحل من مسك الامور بيد من حديد و جعل من نفسه الحاکم الاوحد الذي ليس بإمکان أي مغامر ان يقتحم عليه قصره، ولم يکن بغريب على الشعب السوري وهو يشهد وفاة حافظ الاسد تلك العجالة التي حدثت لتنصيب ابنه بشار خلفا له، علما بأن النظام السوري قد کان ينتقد الانظمة الملکية العربية بشدة لأنها تتبع نظام التوريث، في حين أنها إتبعت اسوأ أنواع التوريث و أکثرها سماجة عندما غيرت بالدستور السوري من أجل أن يلائم إمتطاء بشار الاسد لصهوة جواد الرئاسة.

منذ التغيير الکبير في تونس على أثر ثورة الياسمين، وعقب الاحداث العاصفة بمصر والتي هي بحق ثورة کبيرة تقرع أبواب التأريخ المصري بقوة، فإن السوريين يتندرون بألم فيما بينهم بخصوص الاوضاع في بلادهم، وأغلبهم يعتبر يوم الغضب السوري في حکم المستحيل، بل وان العديد منهم يبرر ذلك بإجرائات إحترازية إتخذها النظام تحسبا لأي تحرك غير عادي، وقد اتيح لکاتب هذه السطور التحدث مع العديد من الاخوة السوريين عن تصوراتهم بصدد مستقبل النظام السوري في ظل الهزات الشعبية التي باتت تطال الانظمة العسکريتارية العربية، فلم يکن هنالك من متفائل واحد بتکرار السيناريو التونسي او المصري في سوريا.

في مسلسل باب الحارة الشهير، وکذلك في مسلسل أهل الراية بجزأيه، ومسلسلات أخرى مشابهة، يسعى الکتاب السوريون لإقناع المشاهد العربي بثورية الشعب السوري وعدم سکوته على الظلم و الضيم ولاسيما في مقارعته للاستعمار، لکن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل ان الشعب السوري يتصدى للظالم الاجنبي فقط و يترك الظالم السوري وشأنه؟ هل ان الظلم الاجنبي أشد وقعا من الظلم المحلي؟ أم ان لانصدق او نؤمن بالمثل الشهير القائل: و ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند؟! الواقع، ان القبضة الحديدية للنظام السوري لن تبقى کذلك وليس بإمکانها أن تبقى مهيمنة و متحکمة بإرادة الشعب السوري خلف شعارات براقة واهية تسرق منه في واقع الامر حريته و مستقبله و أمنه و أمانه، وان إتخاذ إجرائات إحترازية و إعلان حالة من النفير في صفوف الاجهزة الامنية، هو بحد ذاته کاف لمعرفة حالة التوجس و الخوف من المستقبل الذي يعيشه هذا النظام، وان هذا البلد الذي طالما زعم ضباطه الانقلابيون بأنهم قد قادوا ثورة لتغيير مجرى الواقع السوري، في طريقه الى ثورة تأريخية تثبت للعالم أجمع أصالة و عراقة و شجاعة و جرأة هذا الشعب، وان أريج الياسمين الشامي سوف يعطر أجواء سوريا بثورة تضع الامور کلها في نصابها و تعيد کتابة التأريخ بأحرف و کلمات حقيقية من نور وان غد لناظره لقريب.