الثورة التونسية فتحت الآفاق امام الكتاب والمحللين السياسيين للوقوف على الاسباب التي كانت وراء الثورة، وتساءل البعض وبحق: لماذا في تونس وليس في الجمهوريات الاستبدادية الأخرى؟

لقد اشار الكثير من الكتاب الى خصوصية الطبقة الوسطى التونسية وثقافتها ودورالمرأة فيها والموقف الحيادي للجيش والأعداد الكبيرة للجامعيين العاطلين عن العمل....الخ. ولكن هناك بعض الأمور الأخرى من المفيد ذكرها لأهميتها في حركات جماهيرية مشابهة في المستقبل في دول المنطقة.

سوف أحاول التطرق الى المقارنة بين النظامين التونسي السابق والسوري الذي لايزال يحكم.

هناك عدة عوامل كانت السبب في نجاح الثورة التونسية مقارنة بالنظام السوري منها:

ــ عدم وجود تنظيم ايديولوجي يحمي النظام في تونس مقارنة بايديولوجية البعث وشعاراتها الخلابة وكذلك تستر النظام السوري وراء الشعارات اليسارية والتي تمكنت من كسب عواطف الطبقات الفلاحية والعمالية لمدة عقود. النظام السوري لم يؤمن يوماً واحداً لا بالايدولوجيات ولا بالشعارات التي رفعها وإنما إستخدمها وبأبخس الأثمان للتحايل على المواطنين الشرفاء.

ــ لم يكن في متناول النظام في تونس اللعب بالورقة الفلسطينية وأهزوجات التحريرالكلامية كما فعل ولايزال quot;الصمود السوريquot; حيث ان الحظ لم يحالف الرئيس المخلوع بن علي ليكون زعيم دولة من دول quot;المواجهة الكلامية الخطابيةquot;. إنتقال القيادات الفلسطينية الى تونس بعد احتلال بيروت عام 1982 فقدت بريقها بعد إتفاقات اوسلو وتشكيل دولة رام الله. بن علي فقد نعمة الشعار quot;لا صوت يعلو فوق صوت المعركة الخاسرة دوماً quot; ولم يكن quot;ذكياًquot; عندما لم يتحالف مع ايران لإنقاذ الأمة العربية من مخالب الامبريالية والصهيونية.

ــ معرفة التونسيين اللغة الفرنسية وإستعمالها في حياتهم العادية لعب دوراً كبيراً في تأثرهم بالثقافة الفرنسية والاوروبية وذلك من خلال متابعاتهم للإذاعات والتلفزة والصحافة الفرنسية التي ساعدت الطبقة المتوسطة والمتعلمة على استيعاب المفاهيم العصرية المتطورة وأهميتها مثل حقوق الانسان وحرية الفرد ودور المرأة وفضائل الديمقراطية....الخ.

لا بد أن البعض يتساءل: ألا يجيد الجزائريون أيضاً اللغة الفرنسية وربما أفضل من التونسيين ولماذا تونس أولاً؟. السبب قد يكون أن النظام في الجزائر، كما هو الحال في سورية، يتسلط على رقاب الشعب باليد الفولاذية للجيش، بينما في تونس كان الإعتماد على الحرس الرئاسي وقوات الشرطة. لو وقف الجيش على الحياد في الجزائر فإن النظام سيتهاوى خلال اسبوع على الأكثر.

في سورية يعيش المواطن في ظل كبت اعلامي وليس أمامه إلا الاعلام العربي بفضائياته الاخبارية المتعددة المملة والتي تكررعلى مدى عشرات السنين نفس المواضيع الضبابية مثل النظام العربي والقضية الفلسطينية والصحراء المغربية والازمة اللبنانية والحرب العراقية..... وهي قضايا تخص أكثر من عشرين دولة عربية في سوق المزايدات. الاعلام يعقد تلك القضايا بحنكة وذكاء ليبتعد المواطن عن قضاياه الاساسية والحياتية مثل الحرية والديمقراطية والعيش الكريم.

ليس هناك من مفهوم على وجه الارض كمفهوم quot;النطام العربيquot;!! لا يعلم المرء ماهو المقصود بهاتين الكلمتين....هل يتحدثون عن الفضاء الخارجي أو عن كواكب أخرى؟. إذ هناك النظام الموريتاني والكويتي والليبي والقطري والصومالي والمغربي....الخ. إذا كان هناك شخص بإستطاعته إثبات أية صلة بين تلك النظم فهو يستحق وبحق منحه جائزة نوبل وفي كل المجالات بما فيها quot;جائزة نوبل في الكيمياءquot;. القيام بأية تجربة مخبرية على quot;النطام العربيquot;حتى لو كانت في مختبرات ناسا الفضائية الامريكية سيؤدي الى إنفجار المخبر بأكمله لعدم وجود أية رابط بين تلك النظم. الغريب أن الذين إبتكروا هذه البدعة لم تنفجرأدمغتهم.

ــ خلاء تونس من الجرثومة الطائفية سهلت من نجاح الثورة، بينما النظام السوري قطع شوطاً بعيداً في الضرب على وتر الطائفية ونجح فيها نجاحاً مذهلاً حتى أن مؤامرة النظام إنطلت على أوساط كبيرة من المثقفين، عدا عن الشعب العادي المسكين، في زرع الحقد والانتقام عند بقية أطياف الشعب السوري ضد كل ما هو علوي وبكل أسف.

نجح النظام في تشويه صورة الطائفة العلوية وأعطى أنطباعاً بأنها هي التي تحكم سوريا وتحمي النظام....
هذا تجني كبيرعلى طيف سوري كبير، أي الطائفة العلوية، وآن الأوان لنستيقظ من غفوتنا ونحتضن أخوتنا العلويين كباقي الأطياف الأخرى......وهذا سيكون موضوع الحديث القادم..

د. بنكي حاجو
طبيب كردي سوري