موقف الحكومة العراقية من عقد مؤتمر القمة في بغداد يتناقض بالتأكيد مع كل مايجري من أحداث على الساحة العربية والعالم، وما خلفته الجامعة العربية لعرب وأكراد العراق من مأسي وفشل مزمن يتساوى في ثقله مع معظم القضايا العربية التي تعاملت بها بأساليب التغيّب والتأجيل والهزيمة والفشل منذ تناولها قضية العرب الأولى quot; فلسطين الارض المغتصبة quot;.
ولنبدأ أولاً بالقراءة الصحيحة لنتائج الأستفتاء الذي أجرته أِيلاف موخرأً، ونصه: quot; بعد نجاح الشارع التونسي في خلع بن علي، هل تتمنى امتداد شرارة التغيير إلى دول عربية أخرىquot;. أجاب 86% نعم ونسبة 13% لا. فهل هناك من شك أن دوافع النقمة الشعبية على الأنظمة العربية مذهلة؟ ليس في العراق! فقادة العراق الضليعون في القراءة الخاطئة لنبض الشارع العربي وأظهارعدم شعبيتهم في كل مناسبة، بطرق تتجاوز النقمة عليهم، لاتُذهلهم الأرقام، وهم منقسمون على أنفسهم بخصوص القمة، قسم يؤيد عقد القمة في بغداد والقسم الأخر يؤيد عقدها في بغداد أيضاً!! ما هو الأختلاف أذن؟ ولماذا يتبارون (بألحاح ولهفة ) على أستضافة قمة القادة العرب وعقدها في بغداد بدلاً من شرم الشيخ أوائل شهر آذار/مارس القادم؟
جاءت زيارة عمرو موسى ولقائه بالقادة العراقيين ( المؤثرين) على أختلاف ميولهم وأهوائهم السياسية والمذهبية تذكيراً لهم بقدسية الجامعة وأِنجازاتها، كصمتها عن جرائم أرتكبتها دوائر الحكومات العربية ضد شعوبها. ورغم فشلها المزمن منذ تأسيسها عام 1945 وأبتعاد مؤتمراتها عن عالم يتغير علمياً وفكرياً وثقافياً كل يوم، فقد حملَ موسى للعراقيين مبرراته الشخصية على ضرورة عقد القمة في قلعة الأسود ونفخ بعد الأطراء بهم كالعادة، بألوان البالون العربي. وأكدَ العراقيون له، بعد الأطراء، تحسن الحالة الأمنية وأستعداد قوات الطوارئ الخاصة على حماية الوفود الرسمية الوافدة وأستعدادهم لتخصيص الأموال اللازمة للقمة الفريدة.
هذه التأكيدت تأتي من نفس الجهات الرسمية التي تحمي زائري المراقد الأسلامية في كربلاء وضحايا الأرهاب والتفجير والقتلى من الرجال والنساء والأطفال، متناسين بعنتريات الجهل أنهم لايستطيعون حماية مركز مدينة بغداد والمنطقة الخضراء من التفجيرات والعبوات وسقوط قنابل المورترز وأن بغداد وشوارعها تعلوها القمامة والقاذورات، ولاشك بأننا سنسمع لاحقاً عن مقدار المصاريف المالية وكيف تمَّ تخصيصها للمؤتمر المأمول.
الأتصالات التي تتم بيني وبعض الأخوة تتلخص بأن حالة الأرهاب وألصاق العبوات الناسفة وسقوط القتلى الأبرياء تبدو حالة طبيعية لقادة العراق الجدد ماداموا في مأمن منها. فحالة تطاير الأحذية في المؤتمرات الصحفية كما حصل لرئيس أكبر دولة في العالم قد تحدث ثانيةً لأي مسؤول عربي هذه المرة، وستُشجب ويُحاسب المقصرون ( وأبوك اللهيرحمه ) كما يقال. حقاً أِن آفة العِلم النسيان.
لنتحدث قليلاً لمن ظنوا أن آفة العِلم النسيان ونلقي الضوء تاريخياً على قمتين (من قمم الذكاء السياسي العربية ) تمَّ عقدهما في بغداد، الأولى عام 1978 وكان من قراراتها مقاطعة الشركات والمؤسسات العاملة في مصر التي تتعامل مباشرة مع إسرائيل والتنديد بموافقة مصر على الأعتراف بأسرائيل وبنود الأتفاق في كامب ديفيد، لتصبح بعد أسابيع قرارات ورقية ونجاحاً للمشاريع الأسرائيلية والأعتراف الكامل بها.
وأستضاف العراق القمة ثانيةً في دورتها الـثانية عشر عام 1990 قبل الغزو العراقي للكويت بجهود قام بها المرحوم جلالة الملك حسين لحصر الأزمة عربياً وحلها في نطاق عمل الجامعة. فأدخلها من باب ميثاق عمل الجامعة العربية وأخرجها العرب لأيقاع العراق من شباك التخويل الدولي للأمم المتحدة الذي أدى الى تحطيم العراق عسكرياً باندلاع حرب الخليج الثانية عام 1991 وأيقاع العراق في شبكة فرض الحصار الأقتصادي على شعبه. كان في الأمكان فض النزاع بجهود الملك لو كانت الجامعة العربية عربية ولها موقع وأعتبار في خريطة العالم السياسية والعمل العربي ينبع عربياً ويحترم ميثاقها الموقعون عليه من الدول الأعضاء. وربما الأقسى في عدم تعلم العبر والدروس من ذلك كله، مشاركة دول عربية عسكرياً في الحرب ضد العراق وتطبيق المقاطعة وفرضها بدقة عليه الى عام 2003، تلك الدول التي لم تفرض على أسرائيل أيّ نوع من المقاطعة.
فالجامعة فاشلة تماماً، وهي في رأيي،كما نَشرتُ عنها في أِيلاف سابقاً quot; حصان بلا أرجُل quot; واسباب فشلها تعود الى عدم أستقلاليتها، فهي هيئة مصرية تتحكم بها الحكومة المصرية بكفاءة وتُناور بقراراتها بين حكومات لها مصالحها في تخدير شعوبها. والجامعة، التي لاتجمع، لا تلعب أي دورفعال في حل الأزمات العربية مع أن ذلك هو جوهر وصميم ميثاقها وأختصاصاتها وأنما تدفع الأزمات العربية وتحويلها الى منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومايحركه اللوبي الأسرائلي في نيويورك، كما أن موظفيها يعلمون كل العلم أن معظم الدول العربية الموقعة على معاهدة الدفاع المشترك وملاحقها العسكرية والتعاون الاقتصادي الأقليمي لاترتكز عليها وتشكك بقدرتها التنفيذية و تفضل الدور الدولي (الأجنبي) للمعالجة باللجوء الكلي الى الأمم المتحدة وقراراتها.
وقد يتوصل القارئ ألى نتيجة مأساوية وخيبة أمل حزينة لأكتشاف كونها جامعة تُزينها شعارات وصور لاغير عند البحث الموضوعي والتدقيق المستقل للأزمات العربية ( أزمة العراق والكويت، غزو أسرائيل للبنان، أغتيال رفيق الحريري، الأزمة السودانية، القتال في اليمن،القتال بين الجزائر والمغرب، الهضبة السورية المحتلة، بناء المستوطنات في القدس والضفة، الحصار المصري الأسرائيلي للفلسطينين في غزة وأغلاق المعابر).
ولاأظن أن القادة العرب،كي يضفوا على كلامهم طابع الجدية ( وبضمنهم قادة العراق ) لهم الرغبة الفورية بتقييم ودراسة الفشل المُزمن المرتبط بهذه الجامعة التي مضى على تخديرها للطبقات الشعبية الفقيرة وهضم حقوقها أكثر من ستة عقود. ولايبدو أن الوقت مناسب لهم وهم تحت ألأسطح الأسمنتية والحماية من العبوات الناسفة في المدينة المحطمة بغداد، أن يتسألوا عن جدوى وجود هذه الجامعة الهزيلة.
باحث سياسي وأستاذ جامعي
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات