للشعوب الحرة كلمتها الفصل في لحظات التحول التاريخي الحاسمة و إرادتها لا تعلو عليها أي إرادة لطاغية أو متعجرف حقود يستهين بالشعب و الوطن و يعتبره مجرد مزرعة له و لأهله و محازبيه و مرتزقته و جلاوزته، و للشعب السوري في التاريخ الحديث تجارب نضالية شامخة وقصص أسطورية من التحدي و الصمود و التضحية في مقاومة الطغاة رغم خضوعه لأعتى مؤامرة دولية إستهدفت حياته و مستقبله ووجوده، و الحالة الشاذة التي يعيشها الشعب السوري منذ ما يقارب الخمسين عاما من الحكم الفاشي و الإرهابي و العائلي و العشائري المتخلف بحمولاته الطائفية المريضة و بعناصره التي هرمت و أصابها الخرف و كل أمراض الشيخوخة المعروفة هي حالة غير مسبوقة من التخلف و التجمد و التخشب السياسي العام الذي شل قدرة الشعب السوري على التألق و الإبداع، فمنذ إنقلاب العصابة العسكرية البعثية الطائفية في الثامن من آذار / مارس 1963 والوطن السوري الكبير يعيش تحت إيقاعات مختلفة من صنوف البطش و مصادرة القانون و نهب الثروات الوطنية و التعدي على الحريات العامة و الخاصة بعد أن نجح البعثيون من خلال قياداتهم المتخلفة و المتخالفة و المتصارعة حتى الذبح للعظم في تكسيح الشام و تحويلها لإقطاعية خاصة لمماليكهم و متغلبيهم من العناصر الإنقلابية المختلفة، فرفاق اللجنة العسكرية البعثية منذ أن فرضوا حالة الطواريء في ربيع 1963 لم ترفع تلك الحالة حتى اليوم بعد أن تذابحوا فيما بينهم و سجن من سجن و نحر من نحر و أنتحر من إنتحر و نفي من نفي فيما بقي الصنم الأكبر و عائلته و عشيرته متحكم برقاب العباد يشيد مملكته العتيدة بعد أن حول الشام لمعتقل كبير تديره أجهزة وفروع مخابراتية عديدة و متنافسة و بأرقام ورموز مشفرة هي في الحقيقية كل الإنجاز الحقيقي لذلك النظام البائس الذي أجهز على حاضر و مستقبل الشعب السوري و بدد كل الآمال الحقيقية في التغيير نحو غد أفضل بعد رحيل مؤسس النظام حافظ الأسد ومهزلة التوريث التي إستدعت تغيير الدستور في إستهانة وإحتقار فظيعين بإرادة الشعب السوري الذي حوله البعث السوري لمجاميع من العبيد و المسبحين بحمد القائد الخالد وكرومسوماته الوراثية التي لم يخلق مثلها في البلاد.

وجاء التدليس الكبير و الغش الأكبر مع الوعود بربيع دمشق الذي لم يتحمله ورثة الطغاة فحولوه لكابوس دمشقي ثقيل، لتتسع السجون و المعتقلات لتضم الأطفال و الشيوخ و العجزة و بتهم سقيمة وعجيبة من أمثال ( الوهن القومي ) كما حصل مع شيخ الأحرار المحامي هيثم المالح الذي بات يتغنى بالنشيد السوري الخالد : ياظلام السجن خيم إننا نهوى الظلاما..

أو تهمة الإتصال بالمخابرات الأمريكية و البنغالية وهي تهمة سخيفة ألصقت بالشابة الطفلة البريئة المعتقلة حتى اليوم ( طل دوسر الملوحي )..! و مع هؤلاء مئات الآلاف من أحرار الشام الضائعين و المغيبين في السجون و المعتقلات الإسخبارية السورية العديدة التي تزخر بها البلاد كأحد أهم إنجازات ثورة البعث الخالدة !، أما الحديث عن الفقر و الإستلاب و الهجرة و ترويع الناس فهو حديث لا معنى له أبدا بعد أن تعدت فضائح النظام السوري كل الأطر المقبولة، لقد كانت مجازر الثمانينيات المعروفة في حماة وحلب و مصائب النظام السوري في لبنان المحتل حينذاك بمثابة سفر تاريخي أسود متورم و متضخم بأحداث رهيبة و مأساوية صمت عنها العالم وصبر عليها الشعب الصابر الذي آن أوان إنتفاضته و فك عقدته ورسم الطريق النهائي لحريته و تحرره، لقد طال ليل الغدر الفاشي البهيم، ولم يعد للصمت من معنى و حركات الشباب العربي المنتفض الثائر في أرض العرب بدأت ترسم التاريخ العربي بأحرف من نور مشبعة بدماء المضحين و الشهداء الذين أدخلوا أمة العرب بكل جدارة و إستحقاق في دائرة الأمم التي تستحق الحياة، الشباب السوري هو اليوم من ستتحقق على يديه الحرية الغائبة، وهو ماغيره من سيرسم خارطة الطريق الجديدة لسوريا الحرة التي ستضع حدا للظلم و الطغيان و لنظام المماليك الذين لا يملكون من فن إدارة الدولة و المجتمع سوى أساليب الغدر و الإرهاب و الترويع و التوسع في تجنيد العناصر الإستخبارية و توسيع مساحات السجون و المعتقلات و بناء القصور و الإستراحات الفارهة و إنشاء الشركات الإحتكارية للمحظوظين من مماليك العشيرة الذهبية على حساب جوع و مهانة المواطن السوري المنهوب المنكوب، لقد قدم الشباب السوري خلال نصف قرن الماضي من الصراع دماء عبيطة و تضحيات غالية من أجل البحث عن الذات و مقاومة القتلة و المستبدين وهو اليوم يعيش في قلب الحدث الكوني و يمثل الطليعة العربية التي ستقتحم قصور قلاع الطغاة و تحيلهم لمهزلة في التاريخ، و العاقل من إتعظ بغيره، ولكن الطغاة لا يتعظون، و كما قال سيدنا علي بن ابي طالب عليه السلام : ما أكثر العبر و أقل الإعتبار.

بكل تأكيد لن تحمي عناصر المخابرات السورية بكل فروعها شرذمة المماليك البحرية و البرية الجديدة لأن هؤلاء من هوانهم و جبنهم سيهربون و يتلاشون تماما كما هربت عناصر حرس صدام الجمهوري و حماية زين الهاربين التونسي أو عناصر الأمن المركزي المصري، فجبن عناصر المخابرات السورية هو حالة توثيقية مؤكدة، لقد هرب وزير دفاع البعث السوري على حصانه أمام الغزو الإسرائيلي في هضبة الجولان عام 1967، وورثته لن يجدوا حتى الحصان الذي سيهربون به من غضبة الشعب السوري المقبلة التي سترسم تاريخ المنطقة من جديد، لا نقول ذلك القول من قبيل المبالغة في رسم مشاهد تراجيدية غير موجودة للقوى السورية الحرة، ولكننا نعلنها عن ثقة أكيدة بقدرة الشباب السوري على إجتراح المعجزات وعلى التغيير الحاسم لوضع متعفن لم يعد ممكنا السكوت عنه أو غض الطرف عن ملفاته، فالشعب الذي قاوم الفاشية البعثية الطائفية وهو أعزل وفي ظل ظروف الحرب الباردة و إصطفافاتها الدولية و تحالفاتها الموجهة ضد الشعوب الحرة لن يعدم أبدا الوسيلة المناسبة لتصعيد وتيرة التحدي و كسب معركة التطور التاريخي الحتمية التي لن تمنعها إجراءت ترقيعية و تزويقية يلجأ إليها النظام الوراثي الثوري المتورط في أكثر من ملف مشبوه و أهمه ملف بيع سوريا بكل ألقها الحضاري و إمكانياتها و ثرواتها و مستقبلها لصالح الحليف النظام الإيراني العنصري الذي بات يتخذ من الشام العظيمة كمخلب قط وكقاعدة متقدمة في تنفيذ برامجه في المنطقة...

لن يفلت القتلة من مماليك البعث السوري المنهار، و سيأخذ الشعب السوري الحر بزمام المبادرة و يصحح المعادلة المغلوطة، فدمشق أكبر من كل الصغار و إن كانت لهم جثث ضخام، ودمشق قلعة العرب و الجهاد لن تستكين أبدا و سترسم بتضحيات أبنائها صورة المستقبل السوري و العربي المشرق بعيدا عن ترهات الإرهابيين و الطغاة وورثة أنظمة الموت و الدمار، فالمجد كل المجد لإنتفاضة الربيع السوري القادمة التي ستغير كل التوقعات.. فمرحى بأحرار الشام وهم يعيدون كتابة تاريخ الحرية العربي في الألفية الثالثة..

[email protected]