الممثلان والمراقبان الأساسيان لسياسات اقتصاد السوق هما quot; البنك الدولي وصندوق النقد الدولي quot;.
وبعيدا عن المصطلحات الاقتصادية الجافة فان سياسة اقتصاد السوق تقول بمنتهى البساطة :quot; هنالك عرض وطلب وهما من يحددان الأسعار quot;،quot; هنالك ناس أذكياء ونشيطون يستحقون رواتب أعلى من غيرهم،وهنالك اقل ذكاء وأغبياء لامكان لهم في سوق العملquot;..!!

وهذا ينطبق على الأفراد والمؤسسات والبلدان،ووصفة وشروط البنك وصندوق النقد الدوليين واحده،لايهمها إذا ما أفرزت البطالة والفقر أعداد هائلة من مجرمي ومدمني المخدرات في أمريكا اللاتينية والجنوبية،أو خريجي جامعات quot;بعربات خضرةquot; غير مجازة في تونس،أو سكان مقابر أو زوارق متهالكة في مصر أو غيرها..!!

التحرك الشعبي الأول ضد هذه السياسات كان بعد نهاية الحرب الباردة بعشر سنين في أمريكا اللاتينية والجنوبية، بعد ان خفّت قبضة أمريكا الحديدية عن دعم دكتاتوريات حديقتها الخلفية،والتي توِجت بتغيير أنظمة حكم وسياسات اقتصادية كانت خاضعة تماما لمعايير أغنياء العالم وبنكهم وصندوقهم الدوليين،لتسفر عن أغلبية بلدان أمريكا اللاتينية والجنوبية بحكومات ذات توجهات يسارية وخطط اقتصادية اشتراكية وتأميم، أثبتتْ بإحصائيات الأمم المتحدة إنها خفضت اعداد الفقراء بنسب مليونية وزاد بالتالي عدد الأطفال الذاهبين إلى المدارس وكذلك مستوى الخدمات الصحية..الخ.

ولان هذه البلدان استلمت الحكم بانتخاب شعبي ديمقراطي وليس بتسلط قمعي كما الاتحاد السوفيتي ومنظومته الشرقية، فقد أوفت بالتزاماتها اتجاه ناخبيها ونجحت مما جعلها يُعاد انتخابها مرة ثانية وثالثة وربما أكثر...متجاوزة شروط وقروض البنك الدولي وصندوقه إلى غير رجعه بعد ان رزحت شعوبها لعشرات السنين جائعة ذليلة تتمتع فيها فئة قليلة بامتيازات عالم اقتصاد السوق.
من السذاجة ان نصدق ان معايير البنك وصندوق النقد الدوليين لاتخضع لاعتبارات سياسية كما يدعيان، اذ لايوجد شيء اسمه سياسة وآخر اسمه اقتصاد..هنالك quot; اقتصاد سياسي quot;.
المحرك الأول لماحدث في أمريكا اللاتينية ومن بعدها تونس ومصر ومن ستليها نجده فيquot; الاقتصاد السياسي quot;.
اختزله مواطن مصري بسيط من المتظاهرين بقولة quot; الكرامة quot;..!!
نعم... لاكرامة في ظل سوء توزيع الثروات.
لاكرامة حين تزداد الهوة اتساعا بين الفقراء والأغنياء.
لاكرامة بدون خبز ودواء وسكن وفرص عمل متساوية للجنسين.
لاكرامة بدون حق التعبير والاعلام والنشر والتظاهر والتنظيم الحزبي والنقابي والمدني.
لاكرامة بدون عدالة اجتماعية وضمان اجتماعي يحمي ضعفاء المجتمع من الجنسين في حالة البطالة أو العوق أو فقدان المعيل أو غيره.
قد لاتعني المواطن العادي أي من معايير اقتصاد السوق وارقامة ولغته الجافة،ولكن كل شروط الكرامة الإنسانية أعلاه يقف اقتصاد السوق وشروط البنك وصندوق النقد الدوليين ضدها.

ولطالما أشاد الأخيران بالتطبيقات quot; الرائعة quot; لتونس ومصر في سياستهما الاقتصادية التي توجها الكبار باطمئنان كامل لمسيرة مصر quot;النجيبةquot; في هذه السياسة بان يكون وزير استثمارها السابق quot;د.محمود محيي الدينquot; ابتداء من أكتوبر من العام الماضي مديرا للبنك الدولي..!
لم تعن quot; التطبيقات الرائعة quot; شيئا لبائع عربة الخضار التونسي ولا لرفيقه المصري الذي يسمع عن افتتاح المزيد من ملاعب الغولف بقروض البنك الدولي وهو مايزال يتقاسم وعائلته ركنا من quot; تربة quot; المرحوم والده.

سياسات اقتصاد السوق ستتغير في العالم اجمعه بعد الأزمة العالمية وبعد ماحدث في تونس ومصر،التي وجه أناسهما البسطاء صفعة قوية ستعود بالفائدة على شعوب العالم اجمع فالشرق الأوسط ومنذ أكثر من عشرين عام هو مصدر أهم عاملين يشغلان العالم ويؤثران باقتصاده السياسي هما النفط والإرهاب.

هامش
للمزيد عن تاريخ البنك وصندوق النقد الدوليين،تُنظر مقالتنا المنشورة على هذا الموقع quot; العشرون الكبار وكذبة نيسان quot;.