إن منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة مهمة وحاسمة في هذه الوقت الذي يتظاهر فيه مئات الآلاف من المصرين من أجل الحرية والعدالة وإستعادة الكرامة. إن أحد اللاعبين الكبار والمؤثرين بشكل كبير في هذه المرحلة هو الولايات المتحدة الامريكية. فالولايات المتحدة لها مصالح كبيرة في المنطقة وهي الآن في موقف لاتحسد عليه. ربما يشابه موقفها الآن ماحدث آبان الثورة الإسلامية في إيران 1979. وربما من المنتظر أن تبلغ حليفها الرئيس حسني مبارك في الرحيل مثل مافعلت مع الشاه بعد ما فقدت الأمل بإيقاف عقارب الساعة، حيث وصلت لقناعة بأن بقائه في السلطة بات مستحيلا ً. أما في مصر، فالعامل الحاسم اللآن هو الوقت، والرابح الأكبر هو من يستطيع حبس الأنفاس للحظة الأخيرة.

لقد عرفت الولايات المتحدة بسياستها المنحازة في الشرق الأوسط. فمن جهة تحمل الولايات المتحدة نفسها عبء نشر الديمقراطية في العالم بحجة نشر الحرية وحقوق الأنسان منذ عهد الرئيس الأمريكي ويلسون 1919 والذي قال (فالنجعل العالم أكثر أمانا ً بنشر مبادئ الديمقراطية)، ومن تلك المرحلة بدء عهد جديد لسياسة الولايات المتحدة الخارجية والتي تتسم بنشر الديمقراطية ومساعدة البلدان التي ترزح تحت ظلم الديكتاتورية. لكن وفي المقابل، فهمت الولايات المتحدة أن تلك السياسية تجعلها تخسر مصالحها في المناطق التي تريد دعم الديمقراطية فيها. ولهذا السبب بدئت بالكيل بمكيالين، فترى الخطاب السياسي المعلن للخارجية الامريكية في غاية التهذيب ومليء بلغة أخلاقية ذات قيم معيارية، لكن وبالمقابل كانت الولايات المتحدة تعمل ببراغماتيه وفق مبدأ السياسة الواقعية على الأرض. ببساطة شديدة هي تقول مالاتفعل ووثائق ويكيليكس شاهد على ذلك.

وعلى هذا الأساس تقوم الولايات المتحدة بدعم البلدان الدكتاتورية وتتعاون معها في جميع المجالات بحجة الحفاظ على الأمان والسلام في المنطقة مع شيء قليل من النقد الاعلامي لحقوق الإنسان وتقييد الحريات. هذا ماكانت تفعله مع مصر وتونس والعراق والكثير من الدول العربية وغيرها في المنطقة وذلك لضمان مصالح الولايات المتحدة في المنطقة من جهة، كإمدادات النفط الخام وحماية إسرائيل، وضمان عدم صعود نجم الإسلاميين المتشددين للسلطة بوجود الديمقراطية من جهة أخرى. فالولايات المتحدة تضرب عصفورين بحجر واحد.

إن من نتائج هذه السياسة الغير ناضجة و القصييرة الأمد التي إتخذتها الولايات المتحدة هو فقدانها لحلفائها في مناطق كثيرة من العالم. فبعد دعمها ومساعدتها مع بريطانيا لإنقلاب محمد مصدق في 1953 وتنصيب الشاه كدكتاتور في إيران والمنطقة خسرت الولايات المتحدة الشعب الإيراني كشعب صديق. وبعد رحيل الشاه خسرت الولايات المتحدة الحكومة الإيرانية ايضا ً، فصارت تكسب الاعداء بدل الإصدقاء. أما اليوم وفي مصر الحالية فإن الولايات المتحدة عليها أن تقف أما بجانب الشعب المصري أو تستمر بالوقوف بجانب السلطة الحاكمة بمصر.

لقد علمنا التاريخ إن الحكومات المتسلطة مصيرها الزوال والنسيان ووحدها الشعوب هي التي تبقى. فورقة السلطة الحاكمة في مصر محترقة لامحال وعلى الكثير من الدول ومنها الولايات المتحدة أن تقف موقفا ً جريئا ً في صف الشعب المصري من أجل إستعادة حريته وكرامته وحقوقه. إن خطاب الولايات المتحدة في هذه المرحلة ضعيف وغامض، كمن يضع قدم في ضفة وقدم في الضفة الأخرى لضمان الجهتين. هذه اللعبة السياسية لاتنطلي على الشعب المصري الواعي، فالشعب المصري سيقول كلمته لكل من وقف بجانبه ومن خذله في هذه المحنة. وماعلى الكثير من الدول وعلى رئسها الولايات المتحدة إلا أن تساند الشعب المصري وأن لا تكون قد ضيعت المشييتين بخسارتها الشعب والنظام كما حدث مع نظام الشاه في إيران.

http://www.elaphblog.com/imadrasan