عامل الوقت الذي يراهن عليه النظام المصري لن يجدي نفعا، فالتوبة لا تنفع في وقت الاحتضار، وخروج الروح، ساعتها لن تنفع التوبة ولن يفيد الندم، والمراوغة والالتفاف على مطالب الجماهير محاولات بائسة للرئيس مبارك للبقاء، فتغيير النظام بكامله وعلى رأسه الرئيس quot;حسني مباركquot; هو الهدف الأول لثمانين مليون مصري، وهي رسالة لم يفهمها مبارك الذي اكتفى بتعيين عمر سليمان نائبا للرئيس، وتشكيل حكومة جديدة خلت من رجال الأعمال، وضمت وجوها قديمة، وهي أشياء لم ولن تطفئ غضب الجماهير، هدف تغيير النظام هو أسوأ ما تتمناه الأنظمة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة من ناحية والأنظمة العربية المستبدة على اعتبار أن تغيير نظام مبارك سيتبعه تغييرات أخرى في الدول العربية.

وعلى ضوء التحول التاريخي الذي يمكن أن يحدث في مصر بتغيير النظام والاتجاه نحو ديمقراطية حقيقية، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات للمرحلة الحالية:
السيناريو الأول: ثمة ترتيبات تتم في الغرف المغلقة يشتم منها رائحة المؤامرة على انتفاضة الشباب، فقد تم الدفع بتعزيزات من الدبابات والمصفحات في الميادين الرئيسية، وخاصة ميدان تحرير ووضع الحواجز وإيقاف حركة القطارات القادمة من الأقاليم إلى القاهرة بالتزامن مع أنباء عن وصول طائرات إسرائيلية محملة بالقنابل الحارقة والغازات المسيلة للدموع والأسلحة لمساعدة النظام المصري على وأد الانتفاضة، ومشاورات أجراها الرئيس الأمريكي باراك اوباما مع قادة دول عربية وقوى إقليمية كبرى، وقادة غربيين تحث الرئيس مبارك على الإصلاح الشامل، ورسائل ترسلها إسرائيل إلى الدول الغربية، تدعوها إلى الحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط من خلال دعم الرئيس مبارك، فضلا عما ثبت من محاولة النظام المصري إشاعة الرعب في نفوس الشعب من خلال خطة تسريح الشرطة بشكل مفاجئ، وفرض حظر التجوال من الثالثة عصرا حتى الثامنة صباحا لتوصيل رسالة للمصريين بأن البديل عن النظام الحالي هو الفوضى.

السيناريو الثاني: ثمة خشية من الولايات المتحدة من تغيير ميزان القوى في المنطقة في ضوء التحول في مصر، فالولايات المتحدة تنظر إلى مصر كقوة إقليمية في مواجهة إيران والأصولية الإسلامية، وكقائدة لمعسكر الاعتدال العربي بجوار السعودية والأردن، وكلاعب رئيس في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تؤدي دورها على خير وجه خاصة في المحافظة على حالة السلام البارد مع إسرائيل، فضلا عن دعم محيط من الديكتاتوريات العربية للنظام المصري وبعضها ترتعش فرائضها مما يحدث، وتراقبه عن كثب، وتتمنى أن يظل نظام الرئيس مبارك، خوفا من أن تتهاوى عروشها الواحد تلو الأخر، وهذا التقاطع في المصالح الإقليمية والدولية ربما يشجع النظام المصري على اللجوء إلى العنف لتفريق الاحتجاجات المطالبة برحيله ما لم يحدث تطور في الموقف الأمريكي كأن ترفع إدارة اوباما الغطاء عن النظام المصري.

السيناريو الثالث: يتمحور حول السؤال المطروح في الشارع المصري مع تصاعد الاحتجاجات والدعوة إلى مظاهرات مليونية للضغط على النظام والتعجيل برحيله فيما يسمى ساعة الخلاص، وهذا السؤال هو: هل يقف الجيش مع الشعب آم مع مبارك؟ وعلى الرغم من حب الشعب للجيش المصري، وتقديره لحراس للوطن، وهو ما ظهر جليا مع نزول قوات الجيش إلى الشارع، فإن الخوف أن تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن، فقد يغري شباب اعزل النظام على الفتك به باستخدام ازرعه الأمنية والعسكرية وهذا سيكون اختبارا للجيش، واعتقادي أنه لن يخاطر بتنفيذ الأوامر بضرب شعبه وإجهاض ثورته، على غرار ما حدث عام تسعة وثمانين في quot;الميدان السماويquot; في العاصمة الصينية بيجين، حين استخدمت السلطات العنف لقمع مظاهرات الشباب وسال دم عشرات الآلاف منهم، وإن خاب اعتقادي ولجأ النظام للجيش لإجهاض الانتفاضة الوليدة استنادا لموازين القوى مع حلفائه، وعدم تحريك العالم ساكنا إزاء دماء هؤلاء الشهداء فسيكون هذا تحولا ُخطيرا في مسار الثورة، وقد يؤدي إلى كوارث لا تحمد عقباها.

وأيا كانت السيناريوهات المتوقعة فإن انتفاضة الشعب المصري التي يقودها الشباب الآن، لابد أن تطرح مطالب وبرنامجا سياسيا واضحا يحظى بإجماع القوى الوطنية، وأول خطوة تشكيل مجلس حكماء من مفكرين، وعلماء بارزين، ورجال مشهود لهم بالوطنية والنزاهة، يقود مرحلة انتقالية تضع البلد على طريق الإصلاح بإنشاء دستور جديد، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ديمقراطية في غضون عام حتى يمكن وضع مصر على المسار الصحيح، فطريق الألف ميل بدأ ولا يمكن الرجوع عنه.

إعلامي مصري