كان من أسوأ ما تمخضت عنه ثورة الحرية التي قام بها الشباب المصري هو ما سمعته على لسان نائب رئيس الجمهورية المصري عمر سليمان بخصوص دعوته لجماعة الإخوان المسلمين للاشتراك في حوار القوى الوطنية بشأن الإصلاحات الدستورية والسياسية. جاء تصريح سليمان مفاجأة للكثيرين باعتباره تنازلاً مهما من النظام لأشد أعدائه على الإطلاق. كانت الجماعة حتى صباح الأمس محظورة وتتهم بالسعي لتخريب مصر، ولعل تنازل النظام الحاكم عن توصيفها للإخوان المسلمين على أنهم جماعة خارجة عن القانون يؤكد على قوة النفوذ الذي صارت الجماعة المتطرفة تتمتع به في مصر ما بعد 25 يناير 2011. ولكن التنازل أيضاً يشهد على أن النظام الذي طالما أدمن تبرير تناقضاته السخيفة طوال السنوات الثلاثين الماضية من الممكن أن يفعل المستحيل بغرض البقاء والحفاظ على ماء وجه الرئيس مبارك.

هناك من يقولإن جماعة الإخوان المسلمين هي التي قامت بماحصل من الاعمال التخريبية التي شهدتها مصر في الأيام العشرة الماضية. وربما يشهد تاريخ الجماعة على صدق الاتهام.

وربما ليس من الصدفة أن يأتي حريق مصر هذا العام بعد يومين فقط من الذكرى التاسعة والخمسين على الحريق القاهرة. كما حاولت الجماعة طوال العقود الثمانية الماضية انتهاز الفرص لاعتلاء السلطة، فقد حاولت عام 1954 اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، ثم قامت في سنوات حكم الرئيس أنور السادات الذي أطلق سراح قادتها ومنحها الحرية المطلقة بتفريخ الجماعات العديدة التي خربت المجتمع المصري وقامت باغتيال السادات في حادث المنصة الشهير في 6 أكتوبر عام 1981.

استمر الإخوان المسلمون في مساعيهم لزعزعة الاستقرار في مصر في حقبة حسني مبارك الذي ورث تركة ثقيلة من سلفه. كان أول تحدي واجه مبارك هو التمرد الذي وقع بعد اغتيال السادات والذي حاول من خلاله الإسلاميون، الأبناء الشرعيون لجماعة الإخوان المسلمين، الإستيلاء على السلطة. يحسب لمبارك إدراكه للخطورة الجمة التي يشكلها الإخوان على الدولة، فقاوم مبارك النفوذ الكبير للجماعة، و كمم أفواههم وكبل أياديهم ووضع أبرز قادتهم خلف القضبان. استمرت مواجهة مبارك مع الإسلاميين وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين لمدة عقد ونصف من الزمن أجهض خلالها النظام مخططات عديدة للإخوان لخلق حالات من عدم الاستقرار السياسي والأمني ومن ثم اختراق الصفوف والوصول إلى سدة الحكم.

غير أن السياسات الأمنية الجديدة التي انتهجها وزير الداخلية السابق حبيب العادلي إضافة إلى الضغوط الدولية التي تعرض لها نظام مبارك لتحسين سجله في مجال حقوق الإنسان غيرت من مسار علاقات نظام مبارك بالإسلاميين، ومنهم جماعة الإخوان المسلمين، في السنوات الأخيرة. فقد سمح النظام للإخوان بالتواجد العلني والترشيح في الانتخابات البرلمانية رغم إصرار رموز النظام وأجهزة الأمن والإعلام الرسمي على اعتبارهم جماعة محظورة. وأسفرت المرحلة الجديدة من علاقات النظام بالإخوان عن انتخاب نحو ثمانين عضواً إخوانياً في البرلمان عام 2005. ولكن العلاقات بين الطرفين عادت لتتدهور من جديد قبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في نهاية عام 2010 والتي لم تشهد سوى نجاح عضو أخواني واحد.

يزعم الكثيرون بأن النظام هو من قام بأعمال التخريب والسلب والنهب يوم الجمعة 28 يناير، ويدعي أولئك أن النظام أراد إما عقاب المواطنين لتظاهرهم ضده أو إرهابهم بإشعارهم بمأساة عدم الاستقرار في حالة غيابه عن المشهد المصري. كنت سأتفق مع هذا الطرح لو كان هو الحل الأخير الذي يلجأ إليه النظام. ولكن النظام لم يكن يدرك حجم التحدي الذي واجهه في ثالث أيام المظاهرات. كان النظام يعتقد بإمكانية السيطرة على الأمور، ومن ثم لم يكن من مصلحة النظام إحراق مصر والسلوك بطريقة علىّ وعلى أعدائي. كما لم يكن من مصلحة النظام تهريب نحو 17000 سجين ومجرم وإرهابي من ألد أعدائه وهو يدرك أن أولئك قادرون على تعميق حالة عدم الاستقرار في مصر. أما بخصوص الغياب الأمني الذي شهدته مصر فقد كان على الأرجح بسبب الحساسية الشديدة بين الشرطة والجيش التي أثارها طلب الرئيس نزول الجيش إلى الشارع.

كان المستفيد الوحيد من حالة عدم الرعب التي عاشها المصريون يوم 28 يناير جماعة الإخوان المسلمين التي عادة ما تتخذ من عدم الاستقرار سُلّمْاً لها لتحقيق أهدافها السياسية. يدرك الإخوان أنه من المستحيل أن يحققوا أهدافهم من دون إحداث حالة من عدم الاستقرار، ولذا كان ما حدث الأسبوع الماضي. كما أنه لم يكن هناك مستفيد من تهريب المساجين والإرهابيين إلا جماعة الإخوان المسلمين التي تمكنت من الإفراج عن قادتها ورجالها إضافة إلى تلاميذها الأوفياء من المتطرفين. كان تهريب المساجين عملاً محسوباً ومخططاً، وإلا لما استطاع سجناء حركة حماس وحزب الله من العثور على وسائل مواصلات تنقلهم إلى خارج البلاد بعيد ساعات قلائل من هروبهم.

كان تجريم الإخوان سيحدث في أية دولة قوية ذات قانون وسيادة. ولكن النظام الذي انهار ولم يعد يتمكن من الحفاظ على أمن المواطنين ولم يعد يقدر على حماية حدود الدولة ولم يعد يمتلك كلمة في شئون البلاد الداخلية أصبح للأسف يقدم المكافأت السخية للجماعة المتطرفة بغرض إنهاء المظاهرات وضمان بقاء الرئيس مبارك على رأس السلطة حتى يكمل مدته الخامسة التي تنتهي في أكتوبر المقبل.

من العار أن يبيع نظام يتهاوى مصر إلى جماعة الإخوان المتطرفة من أجل شهور قليلة في السلطة، ومن العار أن تتخلص مصر من نظام فاسد لتجد نفسها سجينة نظام عنصري شمولي دكتاتوري ديني أكثر سوءاً وفساداً يقوده الإخوان المسلمون، ومن العار أن تختطف جماعة الإخوان المسلمين مصر إلى المجهول، ومن العار أن تنهزم مصر أمام الإخوان المسلمين بمساعدة عدد من المخدوعين والمغرر بهم مثل محمد البرادعي ونوال السعداوي ورفعت السعيد وحمدين صباحي والسيد البدوي الذين يتخذهم الإخوان كواجهة خلال المظاهرات ولكنهم سينقضون عليهم حال وصولهم للسلطة.

لن تنهزم الدولة إذا ما استجابت لمطالب الشباب الرائع الصادق المطالب بالحرية والديمقراطية، ولكن ستنهزم الدولة إذا ما خضعت لابتزاز جماعة الإخوان المسلمين، ولن تنهزم الدولة إذا رحل الرئيس مبارك، ولكن ستنهزم الدولة إذا أعطيت الشرعية لجماعة الإخوان المسلمين. الدولة تبدو على أعتاب الهزيمة والانحلال، ولذلك من المهم أن تصل مصر إلى حل لأزمتها فوراً وقبل أن تنهزم أمام الإخوان وقبل أن تدخل عصر الميليشيات المسلحة والحرب الأهلية التي هي على بعد خطوات قليلة منهم. وربما كان الجيش يملك الحل.

لا ينبغي فهم هذا المقال على أنه عدم تأييد لثورة الحرية في مصر التي بدأها الشباب غير المؤدلج، فموقفي من أهمية عودة الديمقراطية ورحيل النظام الديكتاتوري لم ولن يتغير. يجب أن يرحل النظام، ولكن لا يجب أن يكون البديل هو الإخوان.

لقد كشفت أحداث الأسبوع الماضي أن جماعة الإخوان المسلمين تمكنت من اغتيال الحلم الديمقراطي لثورة الحرية التي قام بها الشباب المصري بعدما فرضت سيطرتها على زمام الأمور في ميدان التحرير الموقع الذي يتخذه المتظاهرون مقراً لاعتصامهم. المصريون لا يريدون نظاماً إسلامياً تقوده الجماعة المتطرفة يعيد مصر للوراء عدة قرون، والمصريون لا يريدون نظاماً عنصرياً يفصل بين مواطنيه على أساس الدين والجنس والعرق، والمصريون لا يريدون نظاماً يلغي الالتزامات والمعاهدات ويعيد أيام العنجهية والحروب والصراعات الإقليمية والتحدي للمجتمع الدولي.

[email protected]