عانى العرب المسلمون منذ أن سقطت المنطقة العربية بيد الأمبريالية من ضغوط كثيرة متواصلة كانت تفرض عليهم من قبل الحكام الذين تعاقبوا على حكم المنطقة العربية ما قبل فترة الانتداب وبعد انتهاء مرحلة الانتداب. ولقد كان الهدف من كل هذه الضغوطات والأساليب التي وضع أسسها الأنكليز والتي اتبعت من ذلك الحين الى الان لجعل الشعوب العربية أداة فاقدة لأرادتها الوطنية.

وقد تخللت حياة المنطقة العربية أحداث عنيفة بعد انتهاء حرب الخليج وأكثرية هذه الأحداث كانت تدور داخل الأراضي الفلسطينية بسبب هجمات الجيش الأسرائيلي المتواصلة على المدنيين الفلسطينيين الى أن ادت بالأخير الى شيوع ظاهرة العمليات الأستشهادية أو كما تسمي بالعمليات الأنتحارية و الذي كان يحدث بسبب حالة من الخلل النفسي وفقدان الثقة بين أوساط الشعب العربي والفلسطيني ظلت تترسب في وعيه أثر تراكمات خلقتها الأحداث الجسيمة في فكره، كانت تتحول في أحيان كثيرة الى ردود متفاوتة الحدة والدرجة تنتهي الى أعمال مقاومة وعمليات أستشهادية ورفض لحالة البؤس والغبن التي يعيشها المواطن العربي.

ومع تطور وتيرة الأحداث في الشرق الأوسط وتهديد منظمة القاعدة المتواصل للولايات المتحدة وبريطانيا بسحب قواتهما من منطقة الخليج العربي مرت موجة من الأرهاب الى العالم واخذت العمليات الأستشهادية منحا اخر وأصبحت تعرف في وسائل الأعلام بصناعة الموت.

ولم يعد العالم العربي ينتج فقط البترول بل أنه أصبح ينتج ايضا الموت وما حدث من هجمات 11 سبتمر الأسود في نييورك ماكان الا مرحلة أخرى من انتقال عدوى صناعة الموت الى أماكن اخرى في العالم.

وبعد سقوط نظام صدام حسين وتحت ذريعة وجود القوات الامريكية في المنطقة أصبحت العراق وبعض الدول الاخرى في المنطقة أهدافا جديدة لصناعة الموت التي شهدتها المنطقة والتي تهدف بمجملها انجاز حالة من التغيير السياسي في المنطقة تحت ضغط الهجمات الانتحارية.

الا أن اقدام الشاب التونسي البو عزيزي على الانتحار واضرام النار في نفسه قد شكل عاملا ايجابيا و حاسما في موضوع صناعة الموت بحيث تم انجاز حالة من التغيير السياسي ولكن بأسلوب مختلف عما شهدناه سابقا وأدت في النهاية الى حدوث حالة من العصيان المدني أطاحت بنظام الدكتاتور زين العابدين بن علي في تونس وهي في طريقها للأطاحة بأنظمة اخرى في المنطقة.

لقد كانت فترة بروز صناعة الموت من أهم الفترات وأكثرها تأثيرا على مستقبل وحياة الأمة على امتداد تاريخها وان التاريخ يعيد نفسه بنفس الصيغ والأساليب ولكن بروح عصرية جديدة فبدلا من أن تستعمل صناعة الموت من أجل تنفيذ سياسة الارهاب والتخويف وبدون تحقيق أية اهداف واضحة أصبح اليوم تمثل أداة مهمة من أجل التعبير عن حالة العصيان المدني السلمي والأطاحة بالحكومات الدكتاتورية في المنطقة.

الدكتور راوند رسول
[email protected]