كان ولايزال أكثر ما تحتاجه هذه الثورة المصرية الغاضبة أن تمضي نحو أكثرية مطالبها دون أن تنزف نقطة دم مصرية واحدة. هذا يقودنا مباشرة إلى القول أن النظام السياسي هو من بدء بإهدار دم المتظاهرين.
السبب هو اصراره على البقاء بعدته التي خرجت روائحها إلى العلن منذ زمن وليس الآن.

الناس تريد الخبز والحرية، وأن تعود مصر مركز استقطاب إقليمي ودولي بالنسبة لبعض القوى السياسية.
جمال وخيول وعصي وملثمون أين؟ في ميدان التحرير وسط القاهرة، وسط جماهير الغضب التي عبرت عن نفسها وعن مطالبها بطريقة حضارية أعطت دروسا للعالم الشرق أوسطي الملوث بالنفط وإسرائيل، والدرس هوquot; أن الشعوب عندما تتنفس حرية، لا تطلب العنف ولا تريده مطلقا، يتقدم عندها مؤشر أن الإنسان هو مركز الكون، وحياته أغلى من أي ثمن. يتقدم عندها المواطني على الطائفي والديني...

ما ميز هذه الثورة الغاضبة أنها فتحت بابا في التاريخ المصري والعربي يحاول الجميع إغلاقه كلا حسب مصالحه وهواه، النظام العربي وما تبقى منه له المصلحة الأولى في عدم تعميم الدرس المصري، وقبله التونسي، يجب ألا يتحولا إلى جزء من ثقافة الشعوب العربية أو الشرق أوسطية، وأهم من هؤلاء هو موقف اليمين الغربي التقليدي الحاكم الآن، والذي يتمثل في احزاب اليمين التقليدي في أوروبا والحزب الديمقراطي الأمريكي، إنها يعدون العدة جميعهم الآن من أجل إعادة صياغة جديدة لرموز جديدة، فقد انهارت مقولةquot; أن بديل الأنظمة الحالية هي الفوضى أو الأصولية، انهارت على مداها بفضل عشرات الملايين من الشعب العربي في تونس ومصر، وانهارت أيضا أحد أهم ركائز الإسلاموفوبيا التي أحرجنا ولايزال يحرجنا الغرب فيها كثيرا، ويسمح بقمع وهتك أعراض شعوبنا، وسحق تطلعاتها نحو الحرية والتنمية والديمقراطية، بهذه الحجة، وأقلامه الآن لاذت بالصمت، ومنها من أعلن انضمامه لحزب العسكر الفاسد الذي لم يترك لشعوبنا متنفسا للأمل بالمستقبل.

في ياسمين تونس وغضبة مصر لا يوجد خروقات تتحدث عن أقليات وأكثريات دينية ومذهبية، وتضعها عصا في دولاب هذا الدرس الشعبي بامتياز.

هذا الدرس تأسس على الحرية ومن أجلها، نعم نظام مبارك في مصر نقلها نحو الحرية، هذه قضية لا غبار عليها، ولولا أن المجتمع المصري تنفس لما أصبح هنالك وعيا متقدما بالحرية وحقوقها. الحرية مدى لايتوقف، ولا يجب أن يتوقف، لأنها جوهر الإشكاليات العربية.. انهارت ثقافة العسكر ومثقفيها، كما انهارت ثقافة النفط، وما أفرزته أيضا.

لم نعد نجد أن الشعوب المسلمة سبب تخلفها هو الإسلام، يبدو أن هؤلاء قد أصابهم الخجل من ياسمين تونس وميدان التحرير. أو اصابتهم الصدمة والخيبة، لم نعد نسمع صوتا لجورج طرابيشي أو عزيز العظمة أو أدونيس أو العفيف الأخضر أو حتى صادق جلال العظم وعلمانيي النظام التونسي السابق، أين صوتهم مما يجري؟ رئيسنا الشاب الدكتور بشار الأسد لايزال مصرا على مقولته في مقابلته الأخيرة مع صحيفة ستريت جورنالquot; أن الشعوب والشعب السوري خاصة ليس جاهزا للحرية والإصلاح السياسيquot;
مثقفون سوريون يطالبون مبارك بالرحيل فورا ويصفقون للنظام السوري سرا وعلانية..هذا حقهم ولكن من حقنا أن نتسائل بأي ميزان يمكن أن نزن هذه العدة الأيديولوجية التي فاحت روائحها؟

شمعون بيرس يصرح خوفا مما يجري في مصرquot; أنه يفضل ديكتاتورا كالرئيس المصري، وحجته خوفه من رئيس متطرف!! ومارك غوين كبير منظري الحاخامات المتشددين إسرائيليا داخل أمريكا، يفتخر بأنه أفشل ومن معه خطة الرئيس جورج بوش بإسقاط النظام السوري وسربوها، خوفا على السوريين!!!

مع ذلك نجد دعوات صادقة من مثقفين سوريين ومعارضين للدكتور بشار الأسد لكي يصلح أوضاع البلاد، ويقيم مصالحة وطنية..وأنا اضم صوتي لصوتهم، ولكن الصوت لن يكون له صدى في دمشق...

في مصر الآن من يريد اهدار مزيدا من الدم المصري مؤسسة الفساد ومن كانوا يعتقدون أنهم سيرثون النظام كله، كما حدث في سورية، هؤلاء هم من انزلوا خيولهم وجمالهم وملثميهم إلى ميدان التحرير.
رئيس ثمانيني ليس قادرا على التفكير بحملة الجمال والخيول الدموية هذه!!

من أوصل الشعب المصري ليسكن في المقابر، لن يرف له جفن في دفنه فيها..نعم هم الورثة ورجالات الفساد الذين شرشوا داخل أروقة الاقتصاد المصري والسياسة والثقافة والأمن والإعلام.
ما لم استغربه طبعا هو موقف مشايخ الأزهر وموقف البابا شنودة من دعمهم لنظام مبارك، هل سيبقى موقفهم كما هو بعد ما حدث الذي حدث في ميدان التحرير؟
الفساد ومزرعة السلطة وورثتها هم خلف ما يجري الآن في مصر من محاولة لتخريب الحرية، ولو بالدم.