الاحداث التي شهدتها تونس و تشهدها مصر حاليا، شکلت و تشکل مادة دسمة و غنية لوسائل الاعلام الغربية حيث تتصدى لدراستها و تحليل أسبابها و نتائجها بطرق و اساليب متباينة، وعلى الرغم من اليقين الکامل لدول الغرب من أن الانتفاضتين العربيتين في تونس و مصر هما أساسا تتداخل فيهما عوامل و أسباب مختلفة الابعاد و الاتجاهات، لکن، يبدو أن هناك اوساط عديدة في الولايات المتحدة الامريکية و بعض من الدول الأوروبية تسعى للترکيز و بصورة ملحوظة على مزاعم خطر وصول الاسلاميين للسلطة في هاتين الدولتين و أية دول عربية أخرى و تطرح بهذا الخصوص سيناريوهات متعددة و مختلفة الاوجه لتبرير هذه المزاعم التي تريد في نهاية المطاف ان تقول بأن العرب لا و لن يؤمنوا بالديمقراطية وانهم يحاولون تغيير(الانظمة العربية الاستبدادية شبه العلمانية)، على حد زعمها، الى (أنظمة اسلامية شمولية) أکثر استبدادية و قمعا(على حد زعمهم)، ومن دون أدنى شك او تساؤل او تخمين، فإن الکيان الصهيوني و الاوساط المرتبطة او المتحالفة او القريبة منه، هي التي تقف ضد هذه الحملة المسعورة و المشبوهة ضد الاسلام و العرب.
ان التدقيق في بعض من التقارير الخبرية التي تداولتها الدول الغربية خلال الاحداث التي عصفت بتونس و تلك التي تحدث الان في مصر، نراها تشدد و بشکل واضح جدا على عفوية و شعبية تلك الاحداث و تؤکد بأنها نابعة و ناجمة من إرادة شعبية عامة لاتخضع لإملائات دينية او فکرية او سياسية معينة بقدر ما تعکس إرادة شعبية متولدة أساسا عن غضب عارم کان مکبوتا لأعوام طويلة، ففي المظاهرات التونسية و المصرية، تجد المثقف و الامي، الفلاح و المهندس، المسلم و المسيحي، في حين ان تقارير خبرية و تحليلية أخرى تسلط الاضواء في نفس الوقت على ظلال هيمنة و نفوذ تيار اسلاميquot;متشددquot; على السياق العام لکلتي الانتفاضتين و تقودان نشاط سياسي شعبي هدفه النهائي هو الوصول الى الحکم.
بديهي اننا کمرجعية اسلامية للشيعة العرب، قد کانت لنا وجهة نظرنا و موقفنا المحدد من مجمل الاحداث التي تعصف بالمنطقة بشکل عام و ببعض الدول العربية بشکل خاص، تبين و بشکل واضح لايقبل الجدل من أن هناك أمور غير عادية تحدث في المنطقة، أمور تحدث بصورة استثنائية و ملفتة للنظر خصوصا مع التصعيد الغريب و الفريد من نوعه في سياقاتها نحو التأزيم، ولعل إهتزاز الاوضاع العامة في تونس بتلك الطريقة التي لفتت نظر و إنتباه العالم کله ومن ثم إنتقالهاquot;وکأنها عدوى من شکل خاصquot;الى قلب العروبة و صمام أمان الامة العربية مصر، و جعل هذا البلد و نظامه السياسي تحت المجهر و طرح مسألة تغييره بشکل کلي، قد دفعت الکثير من الاوساطquot;العروبيةquot;المخلصة لقضيتها و مبادئها الاساسية ان تطرق مليا و تفکر بعمق في الخط العام ليس لما يدور في مصر لوحدها وانما لکل الذي يدور في المنطقة و تسعى لإيجاد ثمة خيوط إرتباط محددة بينهما و بين التحديات و التهديداتquot;الکبيرةquot; التي تحدق بالامة العربية قبل النظام العربي الرسمي ويقينا ان القلق و التوجس اللذان يعتريان کل المخلصين و المؤمنين بالعروبة، له ما يبرره و يمنحه أکثر من سبب و عامل لکي يستمر و يعتمر في أعماق هذzwnj;ه الشريحة المؤمنة بقضايا و اهداف و هموم و طموحات الامة العربية، ولاسيما ان المؤامرات و المخططات المتعددة الجوانب و الابعاد التي حاکتها و تحيکها العدوة اللدودة الاولى للامتين الاسلامية و العربية الکيان الصهيوني الغاصب للأرض العربية الفلسطينية وکذلك قوى أخرى تتربص شرا بالعرب و لاتريد او ترجو خيرا لها وانما تحاول و بشتى الطرق لإستغلال العرب کجسر او معبر للوصول الى غايات و اهداف مشبوهة لاعلاقة لها بقضايا وهموم و تطلعات الامة العربية، تدفع العروبيين و المخلصون لأوطانهم کي يدققوا و يفکروا أکثر فأکثر بمجمل الاحداث التي عصفت بالمنطقة و السعي لبلورة موقف محدد و واضح منها يقوم على أساس المصلحة العليا للأمة العربية.
اننا کمرجعية اسلامية للشيعة العرب، في الوقت الذي نفند فيه مزاعم سيطرة التيارات الوصولية و المتطرفة الدينية على زمام الاحداث التي تعصف بالمنطقة، فإننا لانستبعد بالمرة أبدا إحتمالات قيام نوع من(التفاهم و التخطيط و التنسيق) بين بعض من الدول الغربية و بين تلك التيارات الاسلامية المتطرفة و منحها دعما ملحوظا لکي تحدث هزة قوية و عميقة في الخط و المسار العام للاوضاع العربية القائمة کي يتم من خلال ذلك تمرير مخططات و أجندة استعمارية مشبوهة أخرى تخدم اولا و اخيرا الاهداف المشترکة و المتداخلة بين هذه الدول و بين الکيان الصهيوني اللقيط، واننا نهيب بالامة العربية بشکل عام و بالشعب المصري بشکل خاص جدا، أن يتحلى بدرجة أعلى من اليقظة و روح الشعور بالمسؤولية و يميز بفطنته و ذکائه الاسود من الابيض و الصالح من الطالح، إذ انه ومن دون أدنى شك، هنالك خيوط واضحة و جلية لمؤامرة صهيونية استعمارية جديدة ضد أمتينا الاسلامية و العربية تقوم على اساس و قاعدة فرق تسد وتهدف فيما تهدف الى المزيد من تمزيق و تفتيت الدول العربية الى کيانات و اقاليم أصغر لکي تجهز عليها الواحدة تلو الاخرى ولکي تحفظ أمن و استقرار العدو الرئيسي للأمة الاسلامية و العربية الکيان الصهيوني المجرم، واننا من موقعنا المرجعي ندعو و نحث الامتين الاسلامية و العربية للوقوف سدا منيعا بوجه مؤامرة التقسيم و التشتيت و التفتيت الجديدة و عدم فسح المجال للقوى الطامعة في خيرات أمتنا بالنفوذ و التغلغل في اوطاننا من أجل غايات و اهداف خبيثة و مشبوهة.
*المرجع الإسلامي للشيعة العرب.
- آخر تحديث :
التعليقات