خلال الاسبوعين المنصرمين، تصدت العديد من الشخصيات القيادية الايرانية للأحداث المتصاعدة وتيرتها في المنطقة و التي اسفرت لحد الان عن تنحية رئيسين تميزا بالبأس و السطوة في إدارة امر بلديهما ولايزال الحبل على الجرار، وتسعى تلك الشخصيات الى التصوير او الإيحاء بأن الذي حدث و سيحدث من عواصف ثورية، هو بالاساس بسبب او تأثير مباشر او غير مباشر للثورةquot;الاسلاميةquot;في إيران.

الخطاب الرسمي الايراني الذي يبدو انه طفق يأخذ نمطا تصاعديا يماشي و يجاري التغييرات و يسعى لإمتطاء صهوتها في وقت يکاد ان يکون ثمينا و حساسا جدا، وعلى الرغم من عدم وجود أي مؤشرات او أدلة او مستمسکات بينة و واضحة على ثمة دور محدد لإيران في مايجري في بعض من البلدان العربية مع وجود نوع من الميل لتوجيه أصابع الاتهام الافتراضية لهکذا دور، لکن هنالك العديد من المؤشرات و الاحتمالات المتباينة التي تؤکد بأن النظام الديني الايراني المتشدد قد يعد للتدخل في بلدان أخرى قريبة منه وتشکل أهمية خاصة للمنطقة و العالم، عندما تلفها رياح هکذا عواصف ثورية و انه يجد من مصلحته القصوى ان يکون له دور أکبر من دوره الحالي في تونس و مصر، ولن يکتفي بمجرد دور ثانوي محدد.

الثورة الايرانية التي شارکت في صناعتها و إنتصارها العديد من القوى السياسية و الثورية الايرانية، والتي آل أمرها في النهاية الى يد حفنة محددة من رجال الدين الذين نجحوا وعبر مختلف الاساليب و الطرق الى إقصاء معظم القوى الاخرى حتى تظهر الثورة و تختصر في عباءة دينية، لامراء من انها باتت تعاني من مشاکل و مآزق جمة تطور العديد منها الى مصاف الازمة و ان النظام الديني يعاني الان من عدة ازمات خانقة تکاد ان تکتم أنفاسه و هو يسعى للخلاص منها بأي شکل من الاشکال، جائت التحولات الثورية في کل من تونس و مصر لتمنحه قدرا من الامل و الرجاء من خلال سعيه الحثيث لکي يوحي بأن ذلکما التغييرين التأريخيين هما بتأثير او إنعکاس من أفکاره و مضامينه الدينية التي يطرحها.

ان النقطة المهمة التي يسعى النظام الديني في طهران دائما للتهرب منها، هي ان شعوب المنطقة لم تعد تنظر لهذا النظام کما کان ينظر الى الثورة الايرانية في بداية أيام إندلاعها و نجاحها، وان هنالك الان نظرة سلبية لهذا النظام تقوم على أساس الفصل بينه و بين الثورة الايرانية التي إنتصرت في 11شباط 1979، وهو مايکثر طرحه في مختلف وسائل الاعلام العربية و العالمية، وان إکتساب هذا النظام بعدا طائفيا واضحا و مبينا خصوصا بعد أن نجح محور رفسنجاني خامنئي من إقصاء آية الله المنتظري الذي کان نائبا للخميني و الذي کان يتميز بنوع من الانفتاح و التواصل مع المذاهب الاسلامية الاخرى مما جعله يکتسب منزلة خاصة في قلوب العديد من رجال الدين و الشخصيات التي زارت إيران و إلتقت به، أن الثورة الايرانية التي قرعت ناقوس التغيير في المنطقة لأول مرة، إنتهت للأسف بالدعوة الى التشيع و الحث عليه بمختلف الطرق و الوسائل وهو أمر قد تم لمسه بوضوح في بعض من بلدان المنطقة مما ساهم في تعکير و تلبيد الاجواء بين الطوائف الاسلامية السنية من جهة و الطائفة الشيعية من جهة أخرى، کما أن التدخلات الاخرى المختلفة للنظام الديني في شؤون المنطقة و دورها السلبي في العراق و منطقة الخليج بشکل خاص، ساهم هو الآخر في التوجس ريبة من کل ماصدر او يصدر عن هذا النظام.

الثورة الايرانية هي غير الثورة الاسلامية التي يتحدث عنها قادة النظام الديني هذه الايام، حيث أن الثورات الحقيقية عادة تصدر الخير و الامل و التفاؤل و الحب و العطاء لما حولها من الدول و الشعوب، وليس تصدر الافکار الغريبة و المسمومة و صناعة الموت و حرف الافکار و الاذهان من أجل أجندة خاصة کما حدث و يحدث مع النظام الديني الايراني، وان التأثير الذي يتحدث عنه الخامنئي و رفسنجاني و نجاد و رجال دين آخرون في مجريات الاحداث و مسارها في تونس و مصر و دول أخرى، قد إنتهى منذ حرفت الثورة عن مسارها الانساني الاصيل و منذ ذلك اليوم صار الامر مجرد مناسبة روتينية مملة يحييها النظام سنويا بل وانها قد إنقلبت وبالا عليه عندما صارت في العام 2009 متنفسا للتعبير عن النقمة و الغضب من جانب الشعب الايراني، ومن هنا، فإن الذي حدث في تونس و مصر، کانا شأنين داخليين تولدا عن فعل ذاتي بحت ولم يکن هنالك من دور او موطئ قدم لتأثيرات من جانب أي أطراف خارجية بما فيها النظام الايراني نفسه، بل وان الواضح جدا هو ان هذا النظام قد بات يتوجس ريبة من هذين التغييرين الکبيرين و الذين أيقظا المزيد من الحماس و الهمة في أعماق الشعب الايراني وان الايرانيين يتابعون بشغف مجريات الاحداث في المنطقة و يستلهمون الکثير منها و ينتظروا بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي تعم فيه إيران هکذا عاصفة ثورية لتکتسح الواقع الايراني المؤلم الذي صار 85% من الشعب الايراني يعيشون دون مستوى خط الفقر، وباتت مظاهر الفقر و الحرمان و الغضب تتجسد في کل قرية و مدينة إيرانية إضافة الى ان منع حرية التعبير قد جاء هو الاخر ليمنح بعدا أعمق و مبررا أقوى للشعب الايراني کي ينتفض من جديد و يعيد الامور الى النقطة الاولى عندما اسقط نظام الشاه.

ان مقارنة بسيطة جدا بين المنتفضين في تونس و مصر و بين المنتفضين في إيران عشية الانتخابات الرئاسية عام 2009، التي أثارت جدلا کبيرا حول مشروعيتها، کافية لتبين لنا بوضوح الفرق بين الطابعquot;الاستبدادي و القمعيquot;الخاص الذي يتميز به النظام الديني الايراني و الذي قام من خلال مؤسساته الامنية و القمعية بضرب المنتفضين بيد من حديد ظنا منه انه قد أخمد و انهى الانتفاضة التي زعم انها بتأثيرات خارجية وهو زعم واه و لايستند على أي اساس واقعي، مع ملاحظة نقطة مهمة جدا وهي ان النظام الايراني لم يکلف نفسه حتى مجرد عناء البحث في الاسباب التي قادت الشعب للإنتفاضة وانما إکتفى بمعاملتها بالقمع و القبضة الحديدية، في حين أن نظامي بن علي و مبارك وعلى الرغم من طابعيهما البوليسي و الاستبدادي، لکنهما مع ذلك لم يرکنا الى ذلك الاسلوب القاسي الذي إتبعه النظام الديني في طهران في تعامله مع جموع الشعب المنتفضة بوجهه، وان نظاما يتعامل بهکذا اسلوب دموي مع شعبه، ليس بذلك النظام الذي تحبذه الشعوب الاخرى و ترغب في إعادة إستنساخه في اوطانها وان الذي جرى في تونس و مصر و بکل حذافيره هو الاجدر و الافضل لإعادة إستنساخه في معظم تلك الدول التي يحکمها نظم قمعية استبدادية و ان هذا الذي يجري حاليا وان الدرس العربي البليغ الذي قدمه الشعبان التونسي و المصري قد صار بمثابة مثل أعلى و قبس و منار للشعوب التي تعاني من أنظمة دکتاتورية وقطعا ان إيران تمتلك شعبا احوج مايکون للإستماع الى هذا الدرس التأريخي.