ماقام به شباب quot;ميدان التحريرquot; في القاهرة أثمر عن تغيير كبير. الرئيس السابق حسني مبارك إستقال وترك الحكم للجيش. وجدنا إحتراماً من قادة الجيش وعناصره للمتظاهرين، بوصف هؤلاء من الشعب، ولايمكن لأحد التعرض للشعب لأنه quot;صاحب السلطة الحقيقيةquot; وquot;فوق كل القراراتquot;. عبارات جميلة وتطبيق خيالي نحسدٌ عليه الشعب المصري. الآن هناك حاجة كبيرة لأن يثق الشباب بالجيش ويتابعوه لتسليم السلطة إلى المدنيين. تمديد الثورة ومطهّا لفترة أخرى سيفقدها بريقها وقد يضعها في مواجهة مع الجيش وشرعيته الدستورية. الشعب المصري قدم إنموذجاً آخاذا ورائعا لكل شعوب العالم في الثورة السلمية المتحضرة، ويجب حماية هذا الإنموذج وعدم السماح بتلطيخه لأي سبب.

شباب الثورة حولوا quot;ميدان التحريرquot; إلى جبهة المقارعة الحقيقية مع نظام الفساد والنهب. وجدنا من يحاول السطو على الثورة الشبابية وإقحام طقوس إستعراضية من صلاة وصيحات quot;الله أكبرquot; فيها. عدد الملحتين والمحجبات زاد كثيراً في الأيام الأخيرة، وهو مايٌظهر تغلغل جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; بين الحشود للفوز بالجائزة الكبرى وخطف السلطة بإسم الشرعية الثورية. هذه الجماعة تعتقد بأن الوقت قد حان لكي تنتقم من النظام الذي سجنها بقوانين الطوارئ واللاشرعية طيلة 85 عاماً. لكن الجيش لهذه الجماعة بالمرصاد. هل عدنا مرة أخرى إلى البديلين الرجيمين: العسكر أو الإستبداد الديني؟.

الأنظمة الدكتاتورية والفاشية في كل من طهران وأنقرة ودمشق تحاول هي الأخرى ركوب ثورة الشباب المصري. رجب طيب أردوغان الذي كان يحتضن حسني مبارك في الزيارات ويصفه بquot;الأخ الأكبرquot; وquot;الحكيمquot;، صار يلقي دروساً في الديمقراطية على الشعب المصري ويطالب الجيش بالإسراع في تسليم السلطة للشعب وإجراء الإنتخابات. ربما يعتقد أردوغان بأن الشعب، كل الشعب، هو اخوته في جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; إياها.

النظام السوري تحدث أخيراً عن quot;ثورة الشعب المصريquot; بعد 18 يوماً من إنطلاقتها، وإكتشف quot;السبب الحقيقيquot; وراء قيامها وهو: quot;رفض الشباب المصري لإتفاقية كامب ديفيد التي وقعها أنور السادات مع مناحيم بيغين عام 1978quot;!. أما طهران، فعلى لسان مرشدها الخامنئي، قالت بأن quot;الثورة هي إسلامية، وجاءت للرد على الإستكبار الأميركي والإستسلام أمام العدو الصهيونيquot;!. أي أن الشباب المصري قد تلقف روح الثورة الإيرانية وأستوردها quot;عبر البريد الإلكترونيquot; ليبدأ تطبيقاتها الكارثية في بلاده، بدءاً من quot;ميدان التحريرquot; حرفاً وراء حرف!.

الكل خائف من تداعيات الثورة المصرية. تركيا أردوغان خائفة من ثورة المهمشين والعمال والكرد. قبل مدة قمعت شرطة أردوغان عمالاً كانوا يحتجون على غياب التأمين الصحي. كانت الهراوات وقنابل الغاز بإنتظار هؤلاء وليست خطابات التهدئة والإعتذار كما في القاهرة. أما بشار الأسد فقد سارع لضبط الشارع السوري ونشر العسس والعيون في كل مكان، إلى درجة أن أحد الأجلاف من عناصر القمع لجأ إلى مصادرة كاميرا كانت توثق للحظات تشييع ودفن المخرج السوري المعروف عمر أميرالاي، بإعتار التصوير quot;خطرا على أمن نظام الممانعة والمقاومةquot;!.

أجهزة الإستخبارات إجتمعت ببعض شيوخ العشائر العربية في منطقة quot;الجزيرةquot; لتحريضهم مجدداً ضد مواطنيهم الكرد. لعبة النظام الجديدة/القديمة: تأليب السوريين بعضهم على بعض. وكان الكرد قد إنتفضوا في القامشلي والعشرات من المدن السورية الأخرى في 2004 قبل جماهير تونس ومصر بكثير، وطالبوا برحيل النظام الجاثم على حياة السوريين منذ 1963، ولكن الإنتفاضة السورية في رونقها الكردي وأدت، لأن النظام بطش بكل قوة، ولأن الجماهير السورية العربية لم تحرك ساكنا وعدّت الإنتفاضة quot;كردية بحتّةquot; ولايمكن الإئتمان لها، بينما تخاذل قسم كبير منها، ورأى أن أسهل الطرق هي في ركوب موجة النظام وإستهداف الكرد ونهب محلاتهم ودورهم. وحدث الشرخ وكان ماكان. وبقي الكل تحت تهديد السلاح والجوع والفقر والمداهمات الليلية.

ثورة تونس ومصر أعادت الأمل للكل. بتنا نثق في جماهير الشعب العربي وبقية شعوب الشرق. نحسبها بيننا وبين أنفسنا، ونعيد الماضي والتجارب السابقة ونستذكر عنف وقمع الأنظمة القامعة، ويكاد يصيبنا اليأس والقنوط والفزع من العاقبة، ولكننا نعود مراهنين على الشباب والتغييّر، مستشهدين بتونس ومصر.

نعم إنه موسم الحرية والتغييّر. إنه موسم الحياة والكرامة. إنه موسم إندحار وركل طغاة وجلادي الشرق وملاحقة حاشيتهم من اللصوص والحرامية..

[email protected]