تمر هذه الأيام الذكرى الثانية والثلاثون على الثورة الإيرانية التى أسقطت الشاه محمد رضا بهلوى بقيادة الخمينى المنظر لولاية الفقيه فى أبحاث قدمها فى النجف معتمدا على أدلة أهمها قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) سورة النساء/الآية الخامسة، بتأويل أولى الأمر بالفقهاء وهو رأى نادر وشاذ فى المذهب الشيعى الذى يحصر أولى الأمر بالأئمة المعصومين دون الفقهاء كبشر قابلين للخطأ والهوى فيستحيل قرنهم بولاية الله ورسوله فهو مرفوض جملة وتفصيلا فى إجماعهم، كما اعتمد على رواية عمر بن حنظلة وهى ضعيفة جدا سندا ودلالة وفيها أشخاص لم يتم توثيقهم كعمر بن حنظلة وكذلك مثل اسحق بن يعقوب المجهول و أيضا يزيد بن خليفة وهو واقفى لايؤمن بالأئمة بعد موسى الكاظم وقد أسس تلك الفرقة وكلاء الإمام موسى الكاظم نفسه كزياد القندى وعثمان بن عيسى الرواسى اللذين رفضا تسليم الأموال والجوارى إلى ابنه الإمام على الرضا رافضين إمامته واقفين على الإمام الكاظم كآخر إمام حتى اعتبر بعضهم أنه المهدى الغائب ثم سيرجع لاحقا كما يذكر الطوسى والكشى والنوبختى والمامقانى والمفيد والمرتضى والخوئى وهم فقهاء الشيعة. أما سندها فهى تتحدث عن حالة خاصة فى رجلين تنازعا فى ميراث رفض الفقهاء تعميمها وتطبيقها على الولاية المنظورة كما أنها ترجع إلى (قد روى حديثنا) وليس الفقهاء المجتهدين أى النظرية الإخبارية التى كانت سائدة فى الفكر الشيعى سابقا بعد عصر الغيبة لفترات طويلة وهى تحرم الإجتهاد بروايات اللعن من الأئمة على من يجتهد ويستعمل عقله فى القياس وغيره، وكذلك تحرم التقليد (من قلد فى دينه هلك) قبل التأثر بالمذاهب السنية ومدارس الإجتهاد فإن أول مذهب للإجتهاد هو مذهب الإمام أبى حنيفة النعمان، ثم نشوء الأصوليين فى المذهب الشيعى لاحقا وجواز الإجتهاد والتقليد وتوسعه شيئا فشيئا وعوامل تطوره كما ذكره محمد باقر الصدر ومحمد جواد مغنية ومحمد مهدى شمس الدين وهاشم معروف الحسينى والجواهرى وكاشف الغطاء وغيرهم كثير.
قلما نجد فقيها نظر لولاية الفقيه قبل الخمينى الذى لم يحصل على إجازة اجتهاد سوى واحدة سياسية قال فقيهها أراد منع إعدام الخمينى لوجود قانون فى إيران بمنع إعدام الفقيه المجتهد فهى فتوى سياسية لاتملك حيثية علمية علما أن بعض المراجع أفتى بكفره لآرائه خصوصا وحدة الوجود وشرح فصوص الحكم كما انتقدوا رسالته العملية (تحرير الوسيلة) المأخوذة أكثرها نصا وقلبا من (وسيلة النجاة) لأبى الحسن الأصفهانى، خصوصا محمد الروحانى وهو أستاذ محمد باقر الصدر فى الأصول ومعارض صريح لولاية الفقيه. وأهم المنظرين لولاية الفقيه أحمد النائينى فى كتابه (عوائد الأيام) وقد رد عليه الكثيرون وهو مخالف لإجماع الشيعة فى أكثر من ألف عام لذلك نجد مرتضى الأنصارى فى كتابه (المكاسب) رادا مستهزءا (دونه خرط القتاد) تعبيرا عن شدة وهن وضعف ما يتوهم بأدلة ولاية الفقيه وسعتها لجعله كالمعصوم فتصبح ولايته كولاية الله تعالى فى قوله (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) رغم أن الفقيه يخطئ وتحركه أحيانا الأهواء والمصالح والحواشى وهو ما أثبتته التجارب والواقع واختلاف الفقهاء يكشف صراعهم على الزعامة والدنيا، وقد ذكرت أمام فقيه اسما لفقيه آخر لايقل عنه فقاهة وعلما واجتهادا فقال (لعنه الله تعالى) كما يظهر الصراع للحصول على أكبر عدد من التجار والأخماس والحقوق الشرعية من أرحام المرجعيات وممثليهم و وكلائهم. فتكون نظرية ولاية الفقيه مناقضة لنظرية الإمامة المعصومة وانتظار المهدى كإمام ثانى عشر يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا لذلك توجد عشرات الروايات التى تتحدث عن هؤلاء بأنهم يفسدون أكثر مما يصلحون لأنهم غير معصومين ولا أئمة عادلين ودائما فى الروايات الإمام العادل تعنى المعصوم دون غيره من البشر وهو ما فهمه الإخباريون الأوائل.
عندما قامت الثورة الإيرانية بمبادئ أساسها إقتصادية وعدالة إجتماعية واشتركت فيها مختلف طبقات وأحزاب الشعب لكن القيادة المستفيدة من جميعهم قد ألغت الآخرين وتنكرت للكثيرين حتى رفعت شعارات الموت للآخرين، مثل (الموت لأعداء ولاية الفقيه) فتحول كل من يطرح رأيا مختلفا بأنه من أعداء ولاية الفقيه حتى من الفقهاء الآخرين مثل شريعتمدارى وقمى وروحانى وشيرازى والخاقانى والمامقانى والكرمى وغيرهم، ثم وضعوا تحت الإقامة الجبرية حتى وفاتهم ثم منع تشييعهم والصلاة عليهم ودفنوا سرا بشكل مهين وإرهابى وفى أماكن غير مناسبة لطمس آثارهم، فضلا عن التيارات غير الإسلامية واللبرالية. وما رفعه الخمينى من مبادئ كحرمة الضرائب ومجانية الخدمات والكهرباء والماء كانت مجرد شعارات قبل الثورة، ولما صعدت إلى السلطة رجال دين مثل رفسنجانى وكروبى وخامنئى وحواشى مثل رفيق دوست فقد تحولوا إلى طغاة جبابرة يزيدون الضرائب ويستحوذون على مليارات وعقارت وقصور وتجارات وتحول الشعب بين فقير جائع محروم لايمتلك لقمة العيش ولو عمل لثلاث أعمال رغم شهادته الجامعية وبين لاجئ هارب من بطش النظام وقمعه باحثا عن حرية وكرامة وإنسانية حتى هاجرت الملايين، وأكثر أمة فى العالم تعلن ارتدادها عن الدين الإسلامى فى العالم كله هى من الإيرانيين بسبب القمع والإرهاب من حكومة ولاية الفقيه الطاغوتية التى تدعى الإسلام والإسلام برئ منها، فإن خامنئى الذى لايملك إجازة اجتهادية حتى سماه الخمينى بثقة الإسلام دليلا على أنه فى مقدمات الحوزة العلمية ولم تنفعه دروس محمود الشاهرودى الضعيفة يوم الثلاثاء لتقويته فقهيا، خصوصا وهو يأمر مرتزقته بقتل أى متظاهر مسالم يطالب بحقوقه ومعاملته كمحارب لله ورسوله، بل بدأ النظام يتصارع بين أزلامه صراعا على السلطة وحبا بالدنيا فقد كان المنتظرى خليفة الخمينى منظرا لولاية الفقيه ثم تراجع فكريا وعمليا عنها متحدثا عن دكتاتوريتها والسجون والقمع والتعذيب والإرهاب لكل مخالف فكريا، ومهدى كروبى سابقا رئيس مجلس الشورى ومؤسسة الشهيد وبعثة الحج، ومير حسين موسوى رئيس الوزراء السابق ومحمد خاتمى وزير ثقافة الحرب العراقية الإيرانية ورئيس الجمهورية كأعداء للنظام عملاء للغرب يجب محاكمتهم فى صراع السلطة وكل من يخالف ولى الفقيه.
إن الإشكال الأساس فى ولاية الفقيه هو اجتماع السلطات كلها عند ولى الفقيه فهو يعين مسؤولى الدولة حتى رئيس القضاء الموالى له كمحمود الشاهرودى الهاشمى حاليا لأنه أول شخص ادعى اجتهاد الخامنئى زورا، كما يعين رئيس الإذا.عة والتلفزيون والجيش والحرس الثورى ورؤساء الهيآت حتى رئيس الجمهورية بصلاحيات بسيطة بعد موافقته على ترشيحه وغيرها.
عندما يسافر خامنئى إلى موطنه مشهد فإن أرحامه الأتراك يرفضون ملاقاته حيث يعرفون تاريخه وسيرته، وعندما يزور قم يرفضه المراجع حتى يسافر وحيد الخراسانى خارج قم، وتأتى الحرس الثورى لتطلب من المراجع زيارته فيرفض الكثيرون، فيقال لهم (إرحلوا عن قم كما رحل وحيد) فيجيبه البعض (لسنا مجرمين ولا غرباء لنهرب من البلاد) والمعروف هنالك وسائل كثيرة يستعملها الحرس الثورى لترهيب وقمع الرافضين للقائه حتى قال البعض (نحن نعيش تقية لمواجهة طاغية لم يعرف التاريخ مثيلا له)، ومن استحقاره للشعب فإنه يزور مدنا لتستقبله طوابير مهيأة ويجلس فى مكان مرتفع ويمد يده لتأتى الجموع مقبلة يده كعبيد دون السماح لأحد بالكلام وهو يظهر للشعب كأن له جمهورا واسعا مطيعا وهو يقول (إن اليد الإلهية جعلت أحمدى نزاد يفوز فى الإنتخابات لتأييد المهدى المنظر له) بهذا الإستخفاف بعقول الجماهير، فالقيادة فى واد بعقلية متحجرة قديمة والشعب فى واد مختلف آخر لكنه مغلوب ومستضعف ومقهور.
ومن مشاكلها هى تصدير الثورة الإيرانية وشراء عملاء لها فى الخارج وتأثيرها السلبى فى العراق الجريح والمنكوب بسبب الإحتلالين الأمريكى والإيرانى واحتلال جزر الإمارات الثلاث وادعائها تبعية البحرين لها وفى العديد من دول العالم من أدوار مكشوفة وغير مكشوفة.
لكن إيران بدأت تشهد مظاهرات كبيرة للشباب خصوصا الجامعيين رغم القمع والقتل والإرهاب حتى فى تظاهرات الجامعات قد كانت القوى الأمنية تهجم عليهم بالأسلحة والدراجات لتتدفق الدماء بشكل وحشى مروع، كما اختلفوا فى صراع مكشوف على السلطة حتى وصل إلى صراع رفسنجانى وخامنئى وهما المتحالفان فى إسقاط الآخرين مثل ولاية منتظرى والقضاة كصانعى وأردبيلى وأئمة جمعة كمؤمن ومحاولات اغتيالهم فى طريق قم وطهران، وطرح صلاحية ولى الفقيه ورفضها علنا من أشخاص كانوا صقورا مدافعين عنها، فقد ثبت دجل ولاية الفقيه وطغيانها وظلمها فضلا عن عنصريتها فهى تتعامل مع العرب مثلا بالإهانه والعنصرية والتهميش فى مناطقهم وخدماتهم بل وإهانتهم فى الصحافة الرسمية وخطب الجمعه بألفاظ بذيئة نابية، وهى تمنع السنة حتى من بناء جامع واحد فى كل طهران فضلا عن إهانة الخلفاء وسبهم ولعنهم والإحتفال بمناسبات موتهم فى (التشيع الفارسى الصفوى الدخيل)، ولعل أكثر الشعوب الإيرانية هم من الشباب، وقد أجرى مراسل سى أن أن الأمريكية تحقيقا بأن أكثر شعب فى العالم يحب أمريكا ويكره نظامه القمعى هو الشعوب الإيرانية وأكثرهم من الشباب الجامعى وهو يخرج فى المظاهرات رافضا الإنتخابات المزورة والمهينة لأحمدى نجاد، هاتفا بسقوط الخامنئى كدكتاتور طاغوت قاتل ومرتزقته. والملاحظ العجيب رغم تحية خامنئى لثورة مصر بخطبة الجمعة العربية فى توهم تصويرها إسلامية على الخطى الإيرانية، فإنه منع شعبه من مظاهرات لتأييدها عارفا بأنها تطالب أولا بسقوطه وموته ومحاسبته عن كل جرائمه، وهذه حقيقة حركة التاريخ فى سقوط الطواغيت، والشعوب الإيرانية تتابع سقوط ابن على ومبارك ووجود مقومات الثورة الإيرانية خصوصا وأن 85 بالمائة منهم دون خط الفقر رغم غنى إيران وثرواتها وحركة الشباب الواعى والواعد وهو يتحرك بوسائله الحديثة والرائعة لإسقاط دكتاتورية ولاية الفقيه وجبروتها وطغيانها فى ثورة جديدة لأكثر الشعوب الإيرانية المقهورة فى الداخل فضلا عن ملايين المهجرين اللاجئين فى أصقاع الدنيا بحثا عن الحرية والكرامة والإنسانية.
التعليقات