لم يبق صاحب فخامة ولا جلالة ملك ولا زعيم ثوري غير شرعي جاء الى سدة الحكم على ظهر دبابة لم يتأثر بعاصفة التغيير الديمقراطية التي بدأت تهب على المنطقة وتقتلع في طريقها عروش الطغاة واحدا تلو الاخر، فمع انطلاق اول شرارة للثورة الشعبية الشبابية في تونس وانتقالها بسرعة البرق الى مصر، و منها الى الجزائر واليمن، تسابق العديد من الرؤساء والملوك على غير عادتهم الى تقديم وعود غليظة لشعوبهم باحداث تغيير واصلاحات واسعة في اجهزتهمquot;القمعيةquot; واعطاء مساحة اكبر للحريات العامة.. و لم يتأخر الزعماء العراقيون بدورهم عن ركوب الموجة، فقد بادر رئيس الوزراء نوري المالكي الى الاعلان عن عدم ترشحه لولاية ثالثة ولكن.. في حالة اصرار الشعب على توليه لمرحلة ثالثة اواكثر فانه يضطر عندئذ الى الرضوخ لارادته والقبول بالمنصب على مضض!!.. اما القوى السياسية الكردية فقد استقبلت الحدث السياسي الاهم في المنطقة كل واحدة وفق اجندتها السياسية، ففي الوقت الذي سارعت فيه الحكومة الى اصدار قرارات تقضي بمكافحة الفساد واجراء اصلاحات شاملة في مؤسسات الاقليم، اعتبرته حركة التغيير المعارضة بقيادة نوشيروان مصطفى فرصة للمطالبة بحل البرلمان واسقاط الحكومة واعادة الانتخابات في الاقليم من جديد في بيان لها احدث توترا كالعادة في الشارع الكردي، الامر الذي دفع السلطة الحاكمة المتمثلة بالحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الكردستاني الى شجب هذا البيان المثير بشدة واعتباره تهديدا للامن القومي للاقليم و..طالبت الحركة بتقديم اعتذار للشعب.. وهنا لابد من ايضاح مسألة في غاية الاهمية وهي ان وجود المعارضة ضروري لكل الحكومات التي تدعي الديمقراطية، واقصد المعارضة الحقيقية التي لاتستغني عنها الحكومات في تسيير امورها، فاي انتقاص للمعارضة، انتقاص للحكومة وتعطيل لمسيرتها، فكلما كانت المعارضة قوية وتقف على ارضية صلبة، ازدادت الحكومة قوة ومنعة، وادت مهامها على اكمل وجه والعكس صحيح ايضا، لذلك لابد من وجود علاقة توافق وانسجام بين الطرفين من اجل مصلحة البلد وتطوره كما هو السائد في الدول المتقدمة، ولكن ما نراه في الاقليم عكس هذه الصورة تماما، العلاقة بين المعارضة quot;واقصد هناحركة التغيير تحديداquot; والحكومة في اسوء حالاتها، لا يوجد رابط يربط بينهما وهما مختلفتان في كل شيء، العلاقة بينهما كالعلاقة بين القط والفأر، تقوم على التربص والترقب، ولولا الملامة وكلام الناس والسياسة الدولية الراهنة في المنطقة التي تمنع الاقتتال الداخلي، لاعلن الطرفان الحرب على بعضيهما منذ فترة ولوضعا مصير البلاد على كف عفريت...لسوء حظ الاكراد انهم ابتلوا بمعارضة لا تريد ان تهدأ وتلين من موقفها الرافض القاطع لكل ما يمت الى السلطة والدولة بصلة، وكأنها رجس من عمل الشيطان يجب الابتعاد عنه، تريد اصلاح المؤسسات والوزارات الحكومية وتفعيل دورها ولكن في الوقت ذاته ترفض ان تشارك فيها!! تدعو الى التكاتف و وحدة الصف والحفاظ على الجبهة الداخلية، ولكنها عندما يحتاج الامر الى اظهار موقف موحد، تنسلخ عن الاجماع الكردي في احلك الظروف وتنفرد بقراراتها، هذه الازدواجية في التعامل مع القضية الكردية اضرت كثيرا بالموقف الكردي.. و مصيبة الاكراد بحكومتهم لاتقل عن مصيبتهم بالمعارضة لانها منذ تأسيسها بنيت على اساس المحسوبية والولاء الحزبي، وليس على اساس الوطنية الكردية الخالصة، وهذه حقيقة لابد من مواجهتها قبل الشروع في اصدار أي قرار اصلاحي، العبرة ليست في اصدار القرارات بل في تنفيذها، هل بامكان رئيس الاقليم مهما عقد من مؤتمرات او اجتمع مع الاحزاب ان ينتزع وجود الحزبي الراسخ من المؤسسات الحكومية؟ الامر اكبر من عقد المؤتمرات واصدار القرارات والنيات الطيبة، يحتاج الى عمل جدي ومتواصل وصبر ايوب وتعاون من الجميع لازالة الاخطاء التي تراكمت لمدة عشرين سنة، عشرون سنة ونحن نعمل على زرع المفاهيم الحزبية في مؤسساتنا الحكومية، حتى اصبح الحزب هو الدولة والدولة هي الحزب.. ازاء هذه الفجوة الكبيرة بين السلطة والمعارضة التي تكبر وتتفاقم يوما بعد يوم و قد تنفجر في أي لحظة كما حدث في تونس ومصر على الجانبين ان يتنازلا قليلا عن موقفهما المتشنج للوصول الى حل يرضي الجميع.. على السلطات الحكومية ان تستمع لنصائح وتوجيهات المعارضة و تبدي مرونة اكبر واهتماما اكثر بالقضايا التي تطرحها مادامت تصب في مصلحة الاقليم وتساهم في نجاح العملية السياسية، لا ان تتجاهلها و تدخل معها في صراع بيزنطي لايزيد الامور الا تعقيدا ولايفضي الى حل.. فهل من المعقول ان تعقد اجتماعا مهماً حول الفساد وتدعو اليه كافة القوى السياسية وتنسى حركة التغيير التي لها جماهير واسعة وتمثيل نيابي كبير في البرلمانين الكردي والعراقي؟! و اذا كنا قادرين على اصلاح العلاقات السياسية المتدهورة بين الاحزاب العراقية المتناحرة ونجمعهم على كلمة واحدة من خلال تقديم المبادرات والحلول السياسية الناجعة، فهل نعجز عن اطلاق مبادرة سلام مماثلة لانهاء الحالة الداخلية المتأزمة؟! منذ 2003 ونحن نشارك في بناء العراق الواحد الموحد و نرفع شعار التسامح والمحبة مع الاخوة العراقيين ونقدم في سبيل ذلك تنازلات لاحصر لها عن مكاسب سياسية، فما الضير ان ننقل هذه التجربة لاقليمنا ونتنازل قليلا عن غرورنا السياسي لبعضنا البعض ونتحاور في جو اخوي من اجل استمرار العملية السياسية و نجاح التجربة الديمقراطية..
- آخر تحديث :
التعليقات