أعتقد أن أفضل ما تقوم به جماعة الإخوان المسلمين في هذه المرحلة، هو أن تعلن حل نفسها، ثم تقوم بتأسيس حزب سياسي يجمع أفرادها مع كثير من المتعاطفين دون أن يلزمهم بالالتزام بالجماعة، حزب تكون فيه قواسم مشتركة لكل فئات الوطن دون فرض العقيدة الإسلامية أو الشريعة الإسلامية عليهم وإنما يُتفق فيه على العوامل المشتركة الإنسانية والتي كان الإسلام أول من جاء بها، وأعلن عنها وجعلها مبادئ إنسانية عامة، تصلح لكل الناس على اختلاف أديانهم وأعراقهم وأشكالهم.

حزب الجماعة الجديد يمكن أن يكون كحزب العدالة والتنمية التركي، لا يدخل الإيديولوجيات في برنامجه ولكنه يسير على إيديولوجية عامة توافق الكثيرين حتى من ذوي الإتجاهات غير الإسلامية، دون أن يشعر أحد منهم بأنه من المفروض عليه ان يكون معتنقاً للإسلام أو يكون موافقاً على جميع أحكام الشريعة لا في حياته الخاصة ولا في حياته العامة، وهذا هو أساس نجاح هذا الحزب بين عامة الشعب التركي.


الجماعة يمكنها في نفس الوقت أن تؤسس لمشروعات خيرية واجتماعية تمارسها الآن، كما يمكنها أن تواصل جميع نشاطاتها ولكن بعد رفع صفة السياسة عنها. يجب على الجماعة أن تستفيد من الثورة ومن مناخ الحرية القادم والذي بدأ منذ الآن، فلم تعد الجماعة بحاجة إلى أن تتستر بغطاء العمل الإجتماعي أو الخيري، بل هي حزب سياسي كبقية الأحزاب، وهي بعد ذلك أو قبله تمارس نشاطاتها كاملة في المجال الصحي والرعوي والتربوي والديني، ولكن بوسائل جديدة تناسب الوقت الجديد والعصر الجديد الذي دخلته مصر بعد الثورة.


من هذا المنطلق يمكن تأسيس مجموعات عمل بحسب الاختصاص يكون لكل من هذه المجموعات مجلس إدارة، ومن مجالس الإدارة ينشأ مجلس شورى يقود الجماعة بصفتها جماعة اجتماعية ذات صبغة إسلامية، ويبقى الحزب السياسي حزبا يمارس السياسة ويستفيد في نفس الوقت من الخلفية الشعبية والدعم الشعبي الذي تقدمه له الجمعيات الخيرية والنشاطات الجتماعية التي يستند إليها.


الفكرة هي فصل السياسة عن العمل الخيري والاجتماعي والذي أوقع الجماعة في الماضي في إشكالات سياسية كبيرة، كلفتها الكثير من سمعتها ومن رصيدها الشعبي وهذا ما لا يجوز للجماعة أن تواصل ممارسته في العهد الجديد.


يجب الفصل في الجماعة بين من يعمل للسياسة ومن يمارسها ومن هو متخصص فيها، وبين من يقوم ببقية الأعمال التي تحب الجماعة من خلالها أن تواصل تفاعلها مع الشعب، الأمران مختلفان تماما وإن كان هناك تقاطع بينهما في بعض النقاط، ولا يجوز للجماعة بحال من الأحوال أن تخلط بينهما، لا يوجد في العالم الغربي الديمقراطي، بحسب علمي، حزب سياسي يمارس العمل الاجتماعي والخيري بصفته حزباً سياسياً، ففي المستقبل وعندما ستشارك الجماعة في العمل السياسي بصفة نواب أو وزراء أو أية مناصب سياسية أخرى، فلن يمكن لهؤلاء أن يكونوا في نفس الوقت أمناء لجمعيات خيرية ولنشاطات اجتماعية لأنه سيقع وقتها التضارب وخاصة من الناحية المادية والتمويلية ومن ناحية الاستفادة من المناصب من أجل تسخيرها في خدمة المشاريع الخاصة بالجماعة وتفضيلها على المشاريع التي لا تخص الجماعة، مما يفتح الباب على مصراعيه لاستغلال المنصب السياسي في مجال الفائدة الاجتماعية وهذا مرفوض مهما كانت النيات سليمة ومهما كانت الفائدة المرجوة عظيمة.


نتمنى على الجماعة أخيرا أن تفصل بين القيادة السياسية والقيادة الاجتماعية وأن تعي ضرورة هذا الفصل في هذه المرحلة الجديدة وأن تستفيد من هذا الفصل لتجديد الدماء في قيادات الجماعة العليا وأن تكون على مستوى المرحلة القادمة فقد تغير كل شيء في مصر ولا بد للجماعة أيضاً أن تتغير، وأن يكون هذا التغير إن شاء الله إيجابياُ وواقعياً وعملياً.


ملاحظة: سمعت منذ قليل أن الجماعة ستؤسس حزباً سياسياً، وهذا أمر جميل وأتمنى أن تضاف إليه فكرة حل الجماعة، وفصلها نهائياً عن هذا الحزب.

ألمانيا