ما يحدث منذ ثلاثة أيام في ليبيا ثورة شعبية ومجزرة حقيقية، يدافع بها القذافي بالنار والرصاص عن نفسه وعن أسرته وعن حكمه الذي زاد عن أربعين عاماً، كل من يعرف القذافي يعرف أنه لا يتورع عن شيء في سبيل البقاء في الحكم، وهو اليوم يثبت أمام عدسات العالم كله هذه المقولة. لقد أرسل ابنه الساعدي إلى بنغازي ليسيطر على المدينة مع المرتزقة من جميع أنحاء أفريقيا بالإضافة إلى قوات الثورة المخصصة لقمع التظاهرات والانتفاضات.

الثورة في المقابل ثورة شعبية عارمة انفجرت بعد أن ضاقت الأمور بهذا الشعب الصابر المسكين الذي كتب عليه أن يتحمل جنون العظمة لهذا القائد الفذ لمدة أربعين عاماً، أربعين عاماً من الضياع والفساد والتقلبات والجنون الثقافي والسياسي والإجتماعي، أربعين عاماً من التهميش والفقر والذل وانحطاط على جميع المستويات داخلياً وخارجياً.

لا يهمني هنا وصف الثورة أو نشر أخبارها أو الكتابة عن أحداثها المتجددة في كل لحظة، ولكن يهمني هنا أن أوضح ثلاثة أمور:

أولاًـ بداية الثورة كانت سلمية وكان الناس يصرخون سلمية سلمية، ولكن التعامل العنيف جداً من قبل النظام القذافي، دفع الناس إلى محاولات مختلفة للدفاع عن أنفسهم في عدة مناطق فشاهدنا إحراقاً لبعض مراكز الأمن والداخلية وشاهدنا اعتقالاً لبعض المرتزقة، وشاهدنا على الطرف المقابل تشييعاً لعشرات القتلى في مدينة بنغازي، ودماء تسيل في الطرقات وجرحى لا يجدون من يعالجهم. هذه الثورة التي انتشرت في كثير من المدن والقرى الليبية لم تستطع الوصول إلى طرابلس إلا قبل ساعات من كتابة هذا المقال وهذا سيؤدي إلى انعطافة جديدة في مسيرتها.

العنف الذي تمارسه الدولة شيء غير طبيعي وغير مسبوق المتظاهرون العزل يًقصفون بمضادات الطائرات التي تكفي رصاصة منها لإسقاط طائرة، تخترق صدر أو رأس المتظاهر لتفتح فيه فتحة قطرها أكثر من خمسة سنتمترات وترديه قتيلاً على الفور، قوات مرتزقة إفريقية محمولة جواً تنزل في المدن البعيدة مثل بنغازي لتطلق النار على كل شيء يتحرك في المدينة، منع المستشفيات من استقبال المرضى، حتى الهجوم على المستشفيات بكتائب لجان الثورة المسلحين لإخراج الأطباء منها قسراً حتى لا يجد الجرحى من يداويهم! اعمال لا تدل إلا على حقد هذا النظام على الشعب وتجبره وتكبره على الناس.

ثانياًـ قام النظام بقطع كل وسائل الاتصال كالهواتف الخارجية والإنترنيت والفضائيات التي تنقل ما يحدث مثل الجزيرة، والناس الآن في حاجة إلى شيء واحد ألا وهو الدعم الإعلامي والتغطية التلفزيونية والإلكترونية لما يحدث على الأرض، فهذا هو الضمان الوحيد الذي سيمنع القذافي من مواصلة هذه المذبحة الرهيبة، لأنه لا يخاف إلا من الرأي العام العالمي، ولا يمكن أن يصده إلا التدخلات الأجنبية التي تعرف كيف تضرب مصالحه وكيف تضغط عليه بالأشياء التي تؤثر عليه تماماً.

ندائي إذاً إلى كل من له اتصال بأي وسيلة إعلامية متوفرة له، من فيديو أو آلة تصوير أو موقع إنترنيت أو مدونة أو قناة إعلامية أو جريدة أو نشرة، إلى كل هؤلاء نقول إن واجبكم اليوم أن توضحوا للعالم ما يحصل الآن في ليبيا أكتب لكل من يمكنك الوصول إليه، أنشر ما تستطيع نشره، إن كنت في بلد غربي فاكتب إلى المسؤولين وإلى المجلات والجرائد حتى المحلية منها، حاول تنظيم مظاهرة أمام سفارة أو قنصلية ليببا في الدولة التي تعيش فيها، لا يمكن لإنسان حر في هذه الدنيا مهما كان دينه ومهما كان توجهه السياسي ومهما كان انتماؤه الطائفي أو العرقي أن يبقى ساكتاً أمام ما يحدث في ليبيا، إنها جريمة ضد الإنسانية كلها إنها جريمة حرب ضد أناس عزل، سيندم بعدها كل من لم يتكلم وكل من شارك وكل من صمت وكل من انتظر حتى تنجلي الأمور فالكلام بعد أن تتبين الأمور ليس بكلام بل هو ركوب موجة.

ثالثاًـ إلى جميع منظمات حقوق الإنسان والبشر والحيوان والعصافير والدلافين المهددة بالانقراض والنمور البيضاء وإلى كل مسؤول في سفارة أو دولة وإلى كل وزير خارجية ووزير داخلية ورئيس وأمير وملك وسلطان ماذا تنتظرون؟ إفناء شعب أم إبادة أمة؟ أين علماء الأمة؟ أين محطات التلفزيون أين مراسلوا الأنباء هل أصابكم جميعا الصمم؟ أم العمى؟ أم الخرس؟ أين جامعة الدول العربية؟ أين عمرو موسى الذي يريد أن يصبح رئيساً لمصر؟ قد تكون هذه فرصتك لكسب مزيد من الأصوات حاول أن تتكلم كن شجاعاً.

لقد سمعنا ردك المباشر حول طلب تأجيل القمة العربية الذي تقدمت به ليبيا! ولكننا لم نسمع ردك المباشر حول المجزرة التي تدور هناك! هل انقطع الإرسال لديكم؟ أم أنك قلق الآن كما كنت قلقاً في أول عشرة أيام من أحداث مصر ثم صرت في الأيام العشرة الأخيرة بالغ القلق! أم أنك تنتظر رحيل القذافي لتتقدم بطلب ترشيح لرئاسة ليبيا؟

إلى أهل مصر وأهل تونس القريبين من الحدود الليبية: تقدموا لإخوانكم بالمساعدات الطبية وانقلوا جرحاهم إلى بلادكم ومستشفياتكم، زودوهم بالخدمات الهاتفية والإنترنيت أنقلوا عنهم صورهم وأفلامهم إلى الإعلام العالمي فأنتم أقرب الناس إليهم وأقدر الناس الآن على مساعدتهم المساعدة المباشرة، ولا تنسوا أن شكركم الله عز وجل على نعمة النصر في بلادكم، يكون بمد يد العون إلى من يكافح من أجل النصر في بلده، وأنتم تعرفون جيداً موقف من يكون بحاجة إلى العون فقد كنتم في مثل هذا الموقف منذ أيام وبالشكر تدوم النعم.

ختاماً، ندعو الله لشعب ليبيا بالفرج والنصر القريب وأن يعصم الله دماءهم وأموالهم وأعراضهم وأن يفرحهم بنصر أكبر من نصر تونس وأكبر من نصر مصر، نصر يعيشون فيه الحرية والكرامة والعزة التي افتقدوها منذ اثنتين وأربعين سنة. والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

ألمانيا