ترقب وتوجس يستوطن الشارع العراقي كلما اقترب موعد المظاهرات المتوقعة والمعلن عنها في 25 شباط، وحتى هذه اللحظة واضحة الجهات التي تدعو وتحشد لهذه المظاهرات وهي جميعها مشاركة في العملية السياسية وجزء اساسي منها وهذه مفارقة انتهازية بامتياز. ولكن ايضا وفي الجانب الاخر هناك مجموعة كبيرة لايستهان بها هم مواطنين عراقيين يصرون على التعبير العلني الذي يضمنه لهم الدستور العراقي وهذا التعبير يحمل بين طياته طلبات هي حق لايمكن الجدال عليه وهي مجموعة حقوق طال انتظارها وتاخرت كثيرا ولم يعد يكفي ان يقال للجمهور العراقي ان هذا التاخير بسبب تراكمات النظام السابق، فهذه التراكمات وان وجدت بالفعل لكن لايمكن ان تبقى الى ابد الدهر شماعة يعلق عليها التاخير والتقصير في ملفات خدمية مهمة وجوهرية في حياة المواطن العراقي البسيط، بذات الوقت الذي يرى الجمهور ان تراكمات النظام السابق نفسها لم تشمل الطبقة العاملة في السياسة العراقية والتي تكونت منها نوع من الطبقة السياسية البرجوازية عند اصغر مسؤول فمابالك بالرموز السياسية والحزبية والعائلية الرئيسية في دوائر الحكم والبرلمان، مع العلم ان العراقيين يعرفون بعضهم لذلك لااحد على الاطلاق يستطيع الادعاء بانه وصل للمنصب المعني هنا اوهناك وهو صاحب شركات او معامل خاصة او طائرات خاصة او يملك فنادق في دبي واسطنبول والشام وايران وعمان واوربا، بل ان كل هذه الاملاك جاءت بعد ان وصلوا الى مناصبهم وبطريقة حسابية بسيطة لرواتبهم ومخصصاتهم ورغم انها خيالية ومبالغ فيها لكن مع ذلك لايمكن ان تكون مصادر هذه المخصصات المسروقة من ثروات العراقيين باسم القانون وباسم الدستور تكفي لتغطية حجم الاملاك والثروات التي طفحت رائحتها المعيبة ولم يعد بالامكان التستر عليها لا بشعارات سياسية ولا بشعارات دينية ولاحتى بشعارات طائفية، فلقد انكشفت مستلزمات اللعبة واصبح اللعب على المكشوف ومن يتصور غير ذلك من عامل السياسة فانه النعامة نفسها.

ولكن ايضا ومن المفيد التذكير ان هذه المظاهرات لها حقوق وعليها واجبات.. قد يكون اهم الحقوق لايمكن لاحد ان يطلق على المتظاهرين من المواطنين صفة الخونة او ما شابه من اوصاف البؤس السياسي، ومن جانب اخر على المتظاهرين ان يعوا جيدا ان العراق ملك الجميع وان طرق التعبير وحتى طرق التغير مضمونة في القانون والدستور العراقي وان هناك جمهور عريض قد يتفق على المطالب لكنه قد لايتفق على التغير، ولايوجد مجال وليس هناك حاجة الى اقتباس التجربة المصرية اوالتونسية لان الوضع السياسي العراقي ورغم ثقل السلبيات التي تحيط به لكنه مختلف تماما عن تلك التجارب الديكتاتورية خاصة مع توفر الاليات الدستورية والقانونية في العراق و التي تضمن كل المطالب اذا وصلت الى درجة قبول رغبات الاكثرية الشعبية اذا فعلا طالبت في التغير حينها ولم تقتصر على توفير الخدمات ومعالجة الفساد والمحسوبية وحسب. ايضا من المهم الاشارة الى وجود فعلي وتخريبي لبعض الداوئر الخارجية وايضا بعض الانتهازيين من المشاركين في العملية السياسية والذين يعملون منذ اكثر من شهر لركوب الموجة في محاولة بائسة لتغير الواقع السياسي على الارض وتشويه مطالب المتظاهرين من الجمهور العراقي.

ان الكلمة الصريحة التي يجب ان تقال بان مجلس الرئاسة والحكومة والبرلمان العراقي يتحملون جميعا الاوضاع التي وصلت لها الامور في العراق والتي ستصل لها مستقبلا. لانهم وفي واقع الامر انفصلوا عن الناس وعن الاحساس بحاجات ومشاعر العوز التي تنتاب طبقات واسعة من العراقيين، فليس من المعقول ان يتبختر عمال السياسة في العراق وتكبر كروش معظمهم في وقت تكامل مفرادت الحصة التموينية اصبح حلم بعيد المنال والكهرباء حلم ابعد ومدارس اطفال العراق من طين وقصب والقصور تشيد وتعمر في مناطق اخرى من العراق وليس من المعقول ان درجة العنوسة عند الشابات وصلت في العراق الى حدود خطيرة ومع ذلك البعض يتكلم عن طائرات خاصة ومطارات خاصة، وان ملايين الايتام تهتك طفولتهم مستلزمات الحياة ومع ذلك البعض يتكلم ان المنصب المعني اذا تحقق بحاجة الى ارتال من السيارت الحديثة و المدرعة وطائرة خاصة وفوجين من الحمايات الخاصة ناهيك عن القصور والخدم التي يطالبون بها. انها نكتة مسخة في بلد دفع ملايين الشهداء خلال ثلاث عقود للوصول لحلم عراقي اصيل افسدته كراسي الحكم وثروات العراقيين المستباحة دون رقيب او حسيب او حتى رادع اخلاقي وانساني. لذلك القلق ليس من المظاهرات بل القلق الاكبر ان تتحول اوجاع الناس الى سوق ابتزاز وانتهازية و مساومة جديدة بين عمال السياسة أنفسهم. فتكون اوجاع العراقيين مصدر كسب سياسي جديد لنفاق السياسيين وهذه هي الطامة الكبرى.

[email protected]