بعد طول انتظار، خرج على الناس ابن الزعيم السيد سيف الإسلام القذافي، الذي لا يحتل رسمياً أي موقع وظيفي في الدولة الليبية؛ شأنه في ذلك شأن والده الذي يتحكم بكل مفاصل الدولة والمجتمع الليبيين منذ أكثر من أربعة عقود، ويتباهى باستمرار، بأنه ليس له أي موقع وظيفي محدد، تقر به القوانين الليبية على الرغم من طابعها العشوائي؛ هذا ناهيك عن الدستور الذي لا وجود له أصلاً؛ وما الداعي إليه في حضرة الزعيم الذي هو الأب الروحي لدستور لم ولن يكون مثله في غابر الأيام و قادمها، إنه دستور الكتاب الأخضر الذي لا ينطق عن الهوى، و لا يترك أي تساءل أو لبس إلا ويقدم له الحل، شرط أن يمتلك القائم بالتفسير أو التأويل القدرة الثورية على الاستشفاف، وهي قدرة يستمدها المواطن الصالح في جماهيرية العقيد من عبقرية القائد ولجانه وحارساته الثوريات.

انتظرت خطاب السيد سيف الإسلام مع من انتظر، وكنت أتوقع أن يعرض لنا الرجل خطة إصلاحية توفيقية- ترقيعية إذا شئت- من شأنها الإقرار بصعوبة الأوضاع، والسعي من أجل دفعها نحو التهدئة الآنية على الأقل.

لكن الرجل لم يكن هو سيف الإسلام الذي كان يُسوّق عبر وسائل الإعلام - خاصة الليبية منها- منذ سنوات؛ بل وجدنا رجلاً يتماهى مع الزعيم بكل شيء- ما عدا خبرته التضليلية وحركاته البهلوانية- فالصوت والمنطق والإسراف في التفاصيل المملة، كلها سمات مشتركة تقمصها الرجل فكان ابن ابيه. لكن الجديد الخاص به، تمثل في لغة التخويف والتهويل، وحركة إصبعه المهددة، ووعيده بأته سيقاتل مع زمرته ضد شعبه حتى آخر رجل أو آخر قطرة دم. كل ذلك أكد بما لا يدع أي مجال للشك بأن أهل الحكم في ليبيا قد حسموا أمرهم، وصمموا على إبادة الشعب بأكمله، إذا كان ذلك - وفق منطقهم- ثمناً لبقائهم في سلطة مسروقة، طالما تشدقوا وتبجحوا بأنهم لا يمتلكونها، وطالما تفاخروا زوراً وبهتاناً - من دون أن يصدقهم أحد- بأنهم قد أسسوا أول جماهيرية ثورية ديمقراطية في العالم.

تابعت طيلة هذا اليوم بقلق كبير تفاصيل التطورات في ليبيا العزيزة التي أعرفها مدينة مدينة، أعتز بصداقة الكثير من أبنائها الأفاضل. فقد أدركت بناء على إنذار السيد سيف الإسلام المتغطرس بأنهم سيستخدمون كل إمكانيات الرعب التي هي في حوزتهم من أجل قهر إرادة الليبيين وإجبارهم على الرضوخ ثانية، ولكن هيهات هيهات.

إن ما يجري راهناً في ليبيا في هذه اللحظات العصيبة لا يحتمل أي تحليل هادئ أو تفصيل توضيحي؛ فالشعب الليبي المجاهد يذبح بالمعنى الحرفي للكلمة في طرابلس بقصف مدفعي وجوي. والمطلوب من الجميع المبادرة العاجلة والحاسمة من أجل نصرة الشعب الليبي، ودعمه في سعيه المشروع من أجل الحرية والكرامة. ينبغي على وجهاء وأبناء عشيرة القذاذفة اتخاذ الموقف الوطني المطلوب، وذلك عبر رفع الغطاء عن معمر القذافي وزمرته، فهؤلاء ألحقوا أضرارا كبيرة بالوطن وأهله؛ والقبيلة هي جزء من الوطن، جزء من الشعب، عليها مراعاة المصلحة العامة، وإلا فإنها ستحاسب في قادم الأيام أمام الله والتاريخ والشعب.

المطلوب من الدول العربية، دولة دولة، ومن الجامعة العربية مجتمعة التعبير عن المواقف صريحة واضحة، تدين جرائم النظام الليبي، وتعمل بصورة مكثفة عبر الدوائر الدبلوماسية من أجل انتزاع موقف دولي عبر الأمم المتحدة من أجل التدخل الفوري.

الشعوب العربية وشعوب المنطقة والعالم بأسره مطالبة بأن ترفع صوتها عالياً من أجل كبح جماع الزمرة الرعناء التي أثبتت أنها مستعدة لحرق الأخضر اليابس من أجل التمسك بموقع مغتصب أصلاً.

الموضوع لا يمكن تأجليه، ولم يعد الحياد ممكناً، والموضوعية الباردة باتت غير مقبولة أبداً في مواجهة جرائم إبادة شنيعة يتعرض لها الناس في شوارع طرابلس من قبل سلطة أتحفتنا على مدى عقود بأنها تجسد إرادة الشعب وطموحه.

إنها ساعات مفصلية، لا يحق لنا جميعاً أن نتقاعس أو نتجاهل ونحن أمام مذبحة تقشعر لها الأبدان تحت سمع وبصر العالم أجمع، ولكن مهما يكن فالحرية قادمة طالما أن الشعب قد أراد وعرف الطريق.