لم يكن بد من تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بمساهمة جميع الأحزاب والكتل الكبيرة بالرغم من الاختلافات الكبيرة بينها وخاصة بعد لجوء بعض رؤسائها الى السفارة الامريكية وايران ودول الخليج وسورية وبقية الدول العربية طالبين منهم العون للحصول على كراسي الحكم. وهدد البعض منهم (ولا يزالون) بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم تنفذ مطاليبهم.

نتائج الانتخابات كانت غير متوقعة للبعض مثل دولة القانون التى كانت تطمح بأصوات أكثر بكثير مما حصلت عليه، وبالرغم من حصول المالكي شخصيا على أصوات أكثر بكثير من أي من الزعماء الآخرين فقد حصل على 623 ألف صوت مقابل 408 ألف صوت فاز بها اياد علاوي، فقد ساورت المالكي الشكوك فى صحة بعض الاجراءات الانتخابية وطلب قانونيا إعادة فرز الأصوات يدويا، ولكن النتيجة لم تتغير، وهذا يدل على نزاهة الانتخابات. وذهل الدكتور علاوي خاصة بعد أن عرف أن كتلته قد تفوقت على دولة القانون بصوتين، واعتبر نفسه قد حاز على رئاسة الوزارة. ولكن الكتل الأخرى كانت له بالمرصاد، فانضم بعضها الى دولة القانون مما جعل الكفة تميل الى المالكي (بالضبط مثلما حصل فى الانتخابات البريطانية الأخيرة عندما انضم نك كليغ رئيس حزب الأحرار الى ديفيد كاميرون رئيس حزب المحافظين بعد الانتخابات وأصبح كاميرون رئيسا للوزراء )، وهكذا فاز المالكي برئاسة الوزراء. وكانت صدمة كبرى لعلاوي وقائمته (العراقية) التى يطلق عليها البعض اسم القائمة السنية، والسعودية، والأمريكية. جن جنون القائمة العراقية وبدأت تهاجم المالكي وحلفاءه وتنعتهم بأسوأ النعوت وهددت بأن الشارع العراقي سوف ينفجر وتعود المعارك الطائفية كتلك التى استعرت فى عامي 2006 و 2007، وساعدهم (خبراء بالانقلابات) من (شقاوات)حزب البعث المقبور الذى كان علاوي أحد زعمائه كما هم عليه الكثيرون فى القائمة العراقية.

وأخيرا ونتيجة للضغط الأمريكي، فقد اتفق الجميع على تشكيل الحكومة الجديدة من كل الأحزاب المتنازعة وبعد ترضية الدكتور علاوي برآسة مجلس جديد أطلقوا عليه اسم مجلس السياسات الاستراتيجية العليا ووعدوه باستجابة طلبه بتخصيص راتب له لا يقل عن راتب المالكي. ولا زال النزاع قائما حول صلاحية هذا المجلس، الذى لا أظنه سيظهر الى الوجود. و لا يزال النزاع قائما حول تسمية الوزارات الأمنية ومنح مقاعد اضافية للمرأة.

المفروض فى مجالس الوزراء فى جميع دول العالم أن يكون جميع أعضاء الوزارة مسئولين بالتضامن عن كل قرارات المجلس، وإذا عارض أحد منهم يجب عليه أن يقدم استقالته، ولكن العراق بلد العجائب والغرائب يختلف عن ذلك، فان أحزاب ومنظمات ينتمى اليها بعض الوزراء يعارضون الحكومة بشدة وكأنهم معارضة فى البرلمان، وقبل أيام رفض مجلس الوزراء طلبا لرئيس الوزراء بتعيين مدراء عامين بأغلبية 3 أصوات !. بل وأخذ بعضهم يحض الناس على الاشتراك بالمظاهرات التى على الأغلب سيندس بينها البعثيون الذين يترقبون كل فرصة لاثارة الفتن والاضطرابات والبلبلة لاسقاط الحكومة ليصبح الطريق ممهدا لعودة حزب البعث المقبور، وكما عرفناهم غير مبالين بالأضرار الهائلة التى ستصيب البلد الممزق والشعب الجائع المسكين.

المضحك المبكي هو نداء مقتدى الصدر لأتباعه بالتظاهر فى يوم 25 شباط الحالي متناسيا انه له وزراء فى حكومة المالكي وتسعة وثلاثون عضوا فى البرلمان فازوا بقدرة قادر فى الانتخابات، و المعمم الآخر عمار الحكيم الذى عاد فى هذه الأيام يستقبل ويقابل ويزور ويصرح كما كان يفعل قبل الانتخابات التى فشل فيها فشلا ذريعا بسبب الاحباط الذى أصاب الناخبين جراء تصرفات شيوخ الضلال من كل الأنواع من استيلائهم على ممتلكات الآخرين الخاصة وتعيين أقاربهم ومريديهم بالوظائف الحكومية وتهريب الأموال، وتدخلهم بالسياسة بينما اختصاصهم هو شئون الدين فقط. تخيلوا معمما يزور وزيرة خارجية أمريكا مثلا ويصافحها ويناقشها فى السياسة والاقتصاد !!. أنصحهم مخلصا أن يعودوا الى أماكن العبادة ويؤمون الناس فى الصلاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فربما يحافظون على بقية ضئيلة من إحترام الناس لهم.

فى هذا اليوم (20/2/2011) قرأت بيانا لعضو القائمة العراقية (ميسون الدملوجي) ذكر فيه: (( وشددت الدملوجي على دعم الكتلة العراقية للاحتجاجات والتظاهرات التي تخرج يوميا في مدن العراق للمطالبة بالخدمات الأساسية وضرب الفساد والمفسدين والقضاء على البطالة. وأشارت الى ان الحكومة العراقية بتشكيلتها الحالية غير قادرة على الإيفاء بمتطلبات العراقيين وتحقيق مطالبهم. وقالت quot;نريد ان تكون هذه الإحتجاجات سلمية للمطالبة بالحريات العامة والقضاء على الفساد والبطالة وان لا تكون هناك إستهانة بحقوق المواطنين والقول ان هذه الإحتجاجات تحركها عناصر بعثية أو خارجيةquot;. ودعت قوات الجيش والشرط الى حماية المتظاهرين والتحلي بضبط النفس وعدم مواجهتهم بالعنف)) إن الدملوجي تعرف جيدا أن قادة قائمتها اشتركوا فى البرلمان القديم والجديد، أي أنهم كانت لهم حصة كبيرة من الأموال الشعب المنهوبة. وقالت أيضا أن علاوي سيرفض فى أية لحظة رئاسة مجلس السياسات لينضم الى المعارضة - وهذا ما كان عليه أن يعمله بعد فشله فى الانتخابات -. والواضح لكل ذى عقل أن علاوي لم يكن ليرفض المنصب لولا طمعه فى رئاسة المظاهرات التى قد تجرى يوم الجمعة القادمة والتى ربما ستضعه على كرسي الرئاسة فيعود أصحابه البعثيون لحكم العراق بالنار والحديد للمرة الثالثة.

واليوم أيضا قرأت بأن مجلس النواب صوت على تخفيض رواتب الرئاسات الثلاث (الجمهورية والوزارة والمجلس) بنسبة عشرين بالمائة، ولكنه أجل تخفيض رواتب أعضاء البرلمان، وألغى المنافع الاجتماعية للرئاسات الثلاث بالكامل والتى كان بموجبها يحصل كل رئيس على 18 مليون دولار سنويا (قارن هذا براتب الجندي والشرطي الذى لا يزيد راتبه السنوي عن أربعة آلاف دولار، أي أن راتب الرئيس يساوى مجموع رواتب أكثر من خمسة آلاف جندي أو شرطي). وفى الوقت نفسه قرأت بيان للبنك الدولي يقدر فيه البطالة فى العراق ب تسعة وثلاثين بالمائة. ياله من يوم حافل!

انتهت دورة البرلمان السابق بعد أن انتفخت جيوب الأعضاء بالمال الوفير واشتروا العقارات فى العراق وخارج العراق واحتفظوا بجوازاتهم وجوازات عوائلهم الديبلوماسية ذات الامتيازات الخاصة بالاضافة الى رواتب تقاعدية مهولة لا تنتهى حتى بعد رحيلهم عن هذا العالم الذى ساهموا بإفساده. وغامرنا بأرواحنا مرة أخرى وخرجنا لننتخب برلمانا جديدا، ولكننا و بكل غباء نسينا ما فعله بنا البرلمان القديم، فأعدنا انتخاب معظم النواب القدامى ونوابا جدد لا نعرف إلا القليل عنهم، وغص البرلمان الجديد بوجوه كالحة تغطى بعضها لحى كثة تعشعش فيها الشياطين من كل الألوان، ويحسبها الغافلون و المغفلون علامة من علامات الايمان الذى يحث على حب الأوطان بينما هم فى حقيقتهم من عبدة الدولار الذى يسبحون بحمده ويسجدون له آناء الليل وأطراف النهار. وهكذا أشرقت الشمس على لصوص قدماء وجدد وبرهنوا على أنهم (أشطر) ممن سبقوهم بعد ان استفادوا من خبرتهم فى مجلسهم القديم.

إن ما يحتاجه العراق اليوم ليس للمظاهرات الغير منظمة والتى قد تتحول بسهولة الى سلاح بأيدى الانتهازيين والمتصيدين فى الماء العكر، وقد تحصل من جرائها مذابح تفوق كثيرا ما حدث فى العراق منذ تأسيسه بسبب توفر الأسلحة عند كل الطوائف العراقية. ما نحتاجه هومظاهرات سلمية منظمة مجازة يقودها أناس مشهود لهم بالوطنية وحبهم لعراقهم، تطالب بالاصلاح والقضاء على الفساد المزمن.

الحل الجذري ndash; برأيى المتواضع - لا يكون الا بحل المجلس النيابي وتعطيل الدستور تمهيدا لكتابة دستور حديث بخبرة عالمية وانتخاب مجلس برلمان جديد خلال عامين، ثم نتضرع الى الخالق العظيم أن يلهم شعبنا الحكمة فلا يضع فى المجلس إلا أصحاب الكفاءات والمخلصين من العراقيين بغض النظر عن الدين والعقيدة والاصل، ومن يدرى فربما سيحالفنا الحظ هذه المرة.