إيران: ثورة تصادر و اخرى تولد من جديد -4-

عندما رفضت منظمة مجاهدي خلق مبدأ ولاية الفقيه و بقيت الامور بينها و بين التيار الديني الذي کان يقوده الخميني عالقا، کان من البديهي جدا ان يبادر هذا التيار لخطوات تصعيدية ضدها، وقد کان رفض ترشيح زعيم المنظمة مسعود رجوي لمنصب رئيس الجمهورية في اول إنتخابات رئاسية في إيران رغم ان کل التقديرات و التوقعات کانت تصب لصالح کسبه الاکيد للأغلبية العظمى من أصوات الشارع الايراني، إعلان رفض ترشيح رجوي لإنتخابات الرئاسة کان إيذانا ببدأ الصراع الطويل المرير بين الطرفين، ذلك الصراع و من خلال المراحل المختلفة التي مر بها، إصطبغ بشکل او بآخر في الخطوط العامة للمشهد الايراني بمختلف تفاصيله و ابعاده. وقد أدرك التيار الديني بأنه ليس من الهين إقصاء او تهميش منظمة قوية و لها أعمق الجذور داخل الشعب الايراني، وکان يدرك قبل ذلك أيضا بأنه من الصعب جدا المعايشة او إيجاد أدنى قدر من حالة التوافق معها، خصوصا وان منظمة مجاهدي کانت ترفض و بشکل واضح جدا المساومة او المناورة على المبادئ الاساسية التي ناضلت من أجلها و قدمت التضحيات الجسيمة، ولم يکن موقف المنظمة هذا وليد ذلك الظرف او إنعکاس لتأثيرات سياسية او فکرية محددة، وانما کان ينبع اساسا من استراتيجية ثورية شيدت المنظمة بنائها الفکري ـ العقائدي عليها، ومثلما رفض القادة المؤسسون للمنظمة عروض نظام الشاه بتلفيق أکاذيب و مزاعم واهية نظير ان المنظمة تلقت الاسلحة من العراق او الادعاء بأن هناك خلاف و تضارب بين الاسلام و المارکسية(من أجل خلق صراع جانبي بين التيارات الدينية و اليسارية ليضمن ذلك الامان للنظام)، وان الشهيد سعيد محسنquot;أحد مؤسسي المنظمةquot;، قد قال في جانب من دفاعه في محاکمته والتي حدد فيها الفرق بين المنظمة و النظام بقوله:( الاسلحة فقط هي التي تحکم بيننا و بينکم، قانوننا هو إرادة الشعب والتي تتجلى في الاسلحة الثورية و التصميم على تحطيمکم، الاسلحة بالنسبة لنا وسيلة للدفاع عن شرف الانسان، نحن ومن أجل الدفاع عن ارواح و اموال و شرف الناس مسکنا الاسلحة بأيادينا، نحن عصبة من الخريجين المثقفين لسنا بساديين و لا بلصوص ضالين يحملون الاسلحة)، وبعزم و إيمان و تصميم مستمد اساسا من جوهر هذا الموقف المبدأي، تعاملت المنظمة مع التيار الديني و رفضت على اساسه کل العروض و الحلول المشبوهة للخميني و أصرت على موقفها ولم تحيد عنه قيد أنملة، مع انها کانت خطورة تبعات و تداعيات موقفها المبدأيquot;الحساس و المصيريquot;من أطروحة التيار الديني المتمثلة في نظام ولاية الفقيه والذي کان يعني فيما يعني فراقا أبديا بين التيارين و خلافا و مواجهة لاتنتهي مطلقا إلا بنهاية طرف منهما، وهي حقيقة يبدو أن کلا الجانبين قد تفماها و استوعباها و طفقا يستعدان لمختلف التداعيات و النتائج التي ستنعکس عنها. ان النقطة المهمة التي طالما بقيت غامضة و غير معروفة او مفهومة لدى الشارع العربي، لماذا جرى کل ذلك التعتيم و التشويه و التحريف و التزييف المتعدد الجوانب و الاوجه و المضامين و الاشکال و الصيغ بحق منظمة مجاهدي خلق و قيادتها؟ ولماذا جعل نظام ولاية الفقيه مسألة مواجهته و تصديه لمنظمة مجاهدي خلق على رأس اولوياته ولماذا جعل ملف الموقف من منظمة مجاهدي خلق اساسا و رکيزة للعديد من مفاوضاته و مباحثاته معquot;أطرافquot; دولية و اقليمية، وماهو السبب الذي حدا بالنظام الديني المنغلق على نفسه لکي يقف هکذا موقف متشدد و حدي و حاسم من منظمة زعم و يزعم دائما بأنها قد إنتهت ولم يعد لها من وجود على أرض الواقع و على طول و عرض الساحة الايرانية!

ان الاجابة على هذه التساؤلات المتباينة تکمن في الخط السياسي ـ الفکري الملتوي و الخبيث و المشبوه الذي إتبعه نظام ولاية الفقيه من دول و شعوب المنطقة و الاهداف و الاجندة المختلفة التي إعتمدها النظام من أجل تجييرها و إدافتها ضمن الخطوط العامة للأحداث و الاوضاع في المنطقة، لقد کان النظام الديني في طهران يتخوف من منظمة مجاهدي خلق و من زعيمها المبدأي مسعود رجوي لأسباب تتجلى أهمها في النقاط التالية:
1ـ تيقن الخميني و معظم رجال الدين من خلفه السائرين على نهجه المتشدد المشبوه، بأن عدم المواجهة و التصدي لمنظمة مجاهدي خلق و إقصائها عن الساحة الايرانية، سوف يکون کفيلا بفضح مخططاته و سحب البساط من تحت قدميه، خصوصا وان الخطاب الفکري ـ السياسي السلس و المرن و المفهوم من جانب مختلف شرائح الشعب الايراني إضافة الى التأريخ و التراث الثر و المجيد للمنظمة في نضالها و کفاحها من أجل الشعب الايراني، دفع الخميني لکي يستبق الاحداث و الزمن و يسارع في توجيهquot;الضربة القاضيةquot;ضد المنظمة من أجل إخلاء الساحة له و لأطروحته المثيرة للجدل و الريبة مبدأ ولاية الفقيه.

2ـ تخوف النظام الايراني من أن تعمد دول المنطقة ومن أجل حماية أمنها و مصالحها الوطنية و القومية الى التنسيق و المشاورة مع منظمة مجاهدي خلق و توحيد الجهود و الانشطة ضده.

3ـ توجس النظام الايراني ريبة من أن تنتبه الدول الغربية الى دور و أهمية منظمة مجاهدي خلق في تغيير حالة التوازن السياسي و الفکري و الامني في إيران و بالتالي إضطلاعها بالقيام بدور حساس و خطير في تحديد مصير و مستقبل إيران.

4ـ القلق البالغ و الشك القاتل للنظام الايراني من أن تقوم المنظمة بدور بالغ الاهمية في توعية و فتح أذهان شعوب المنطقة حيال نظام ولاية الفقيه و مايخفيه من جعبته من خطط و ألاعيب مشبوهة ضدها، ولاسيما وان رجال الدين قد أدرکوا جليا بأن منظمة مجاهدي خلق قد عرفت و فهمت خطورة نظام ولاية الفقيه و سلبياته المتعددة الجوانب ليس على شعب إيران وانما على شعوب المنطقة کلها.

5ـ أدرك النظام الايراني، بأن بقاء منظمة مجاهدي خلق في الساحة الايرانية من دون التعرض او التصدي لهاquot;تشويها و تحريفا و تدليسا و تزويراquot;، سوف يکفل لها بأن تکون في نظر و إعتقاد معظم دول و شعوب المنطقة ليس فقط ندا و غريما کفوئا و مقتدرا لنظام ولاية الفقيه وانما أيضا البديل المناسب و الافضل له.

ومن هنا، وفجأة ومن دون مقدماتquot;معقولةquot;اوquot;منطقيةquot;، قام الخميني بتفجير الموقف بينه و بين منظمة مجاهدي خلق و إعتمد سياسة خاصة بنيت على أساس التعرض لمنظمة مجاهدي خلق و قادته و التشکيك في تأريخهم النضالي و مسيرتهم الحافلة بالکفاح و مقارعة النظام الملکي و المساهمة البينة و الحدية و الفاعلة في إسقاطه في نهاية الامر، کان البرنامج الذي أعده نظام الخميني ضد منظمة مجاهدي خلق و قادته حافلا و استثنائيا بمعنى الکلمة، فهو إعتمد على ثلاثة محاور اساسية مترابطة ببعضها أشد الترابط وهي:
ـ المحور الداخلي الذي کان يتجسد في العمل من أجل خلق مساحة بين الاجيال الايرانية الشابة و بين أفکار و طروحات المنظمة التي کانت تلقي هوى و تفهما عميقا من جانبها، ولم يکن ذلك ممکنا من دون العمل من أجل تشويه و حرف و تزوير تأريخ و مصداقية و حقانية المنظمة.

ـ المحور الاقليمي الذي کان يسير بإتجاه دفع دول و شعوب المنطقة الى التوجس ريبة من منظمة مجاهدي خلق و خلق هاجس لديها بخطورة هذه المنظمة على أمنها و استقرارها، هذا من جانب، ومن جانب آخر وبعد ان استتب لها الامر، جعلت أمر التعاون مع هذه المنظمة من جانب أية دولة من دول المنطقة(خصوصا العربية منها)، بمثابة خطا احمرا لايمکن للنظام الايراني من السکوت عليه، وهو أمر کان واضح جدا ان طهران قد نجحت أيما نجاح في تحقيقه.

ـ المحور الدولي، الذي عمل النظام الايراني بجدية بالغة عليه و سعى للربط بين ثقله الاقتصادي المبني اساسا على البترول الايراني في علاقاته مع دول العالم(الغربية منها بشکل خاص) وبين موقف تلك الدول من منظمة مجاهدي خلق وهو أمر لقى صداه من جانب الحکومات الغربية و حتى الاقليمية التي بنت الخط العام لسياساتها على رکائز براغماتية في خطها العام.

وقطعا أن دولة تمتلك إمکانيات هائلة و شبکة علاقات واسعة متباينة الجوانب، وذلك البرنامج و المخطط المشبوه الذي وضعه ضد منظمة فتية خرجت لتوها من آتون صراع مرير و دموي ضد النظام الشانهشاهي، لم يکن هينا عليها مواجهته و التصدي له بسهولة وانما کان الامر أصعب و أعقد من ذلك بکثير، لقد کان صراعا غير متکافئا و ظالما بکل ماللکلمة من معنى، لکن منظمة مجاهدي خلق التي کانت لها تجربة نضالية ناجحة في مقارعة نظام الشاه و اسقاطه، لم يتملکها اليأس وانما مضت قدما في موقفها المبدأي على الرغم من کل تلك الاجواء القاتمة و الابواب الموصدة بوجهها، فقد قبلت بالتحدي و کان ذلك بداية الصراع الفعلي و المصيري بين إتجاهين فکريين ـ سياسيين متناقضين، صراع سعى کل إتجاه منهما لکسب جولاته العديدة، ومع أن النظام الايراني وفي ظاهر الامر قد کسب الکثير من الجولات لکن المنظمة کانت تبني سياستها بهدوء بالغ من أجل العمل على حسم الامر إعتمادا على تفکيك و تفريغ المحاور الثلاثة التي بنى النظام برنامجه و مخططه المشبوه لضرب و إقصاء المنظمة و حقا ان منظمة مجاهدي خلق کانت تعمل وفق قاعدةquot;للباطل جولة و للحق دولةquot; لکن هذا العمل لم يکن هينا و لابتلك السهولة، غير أنه وفي نفس الوقت لم يکن مستحيلا بالنسبة لمجاهدين تفعمت قلوبهم و إشرئبت أعماقهم بالايمان بعدالة قضيتهم ولذلك فلم يکن لليأس و التشاؤم من مکان في داخل عقولهم و ضمائرهم، ومن هنا فقد نجحوا في الخطوة الاولى وهي ضمان بقائهم في الساحة و العمل وفق إمکانياتهم المتواضعة ضد نظام جند کل إمکانياته الواسعة ضدهم، وللحديث صلة.