تحية إنسانية عطرة نقدمها لكل من يخرج ويضيء الشموع في شوارع دمشق باسم الشهداء في ليبيا وباسم كل المستضعفين في الأرض.

لقد قررت مجموعة سورية من جميع الأطياف، وفيهم ممثلون ومخرجون وفنانون تشكيليون أن يقفوا بكرامة في أرض الكرامة. بلا عنف، وبلا شغب، بهدوء وسلام، يضيؤون الشموع ويهتفون quot;سلمية! سلمية!quot; يقفون تضامنا مع الشعب الليبي وليعلنوا أن الشعب السوري ما يزال يتنفس. إنهم يخرجون كل يوم رغم قانون الطوارئ ليقولوا لنا إن الشعب يقرر بنفسه أن يمارس حريته، ولا ينتظرها من أحد. شموع تضاء للشعب الليبي وللشعب السوري وللشعوب العربية والمستضعفة كلها.

ولكن في يوم 23 شباط، قامت قوى الأمن بتفريق المعتصمين وضربهم بالعصي، وإهانتهم. حتى أنهم ضربوا النساء وانهالوا عليهن بالسباب والشتائم. قال أحد المعتصمين،:quot;زعلت على البنات لأنه سمعوا اليوم مسبّات بحياتهن ما سمعوها.quot;

يا أيها الناس في دمشق. إنكم تقفون للإنسان، للحرية، للكرامة. شكرا لكم. لقد رفعتم رؤوسنا عاليا. وستعلو رائحة الياسمين والورد الجوري وكلمات السلام والمحبة على رائحة البارود. وستعلو quot;سلميةquot; quot;سلميةquot; على السباب والشتائم. لقد أثبتّم بحق أن دمشق هي عاصمة الإحساس والرهافة. لأنكم في اعتصامكم كنتم في منتهى اللباقة والشاعرية. لقد رفعتم الستار عن وجه الشعب السوري وأظهرتم جماله الرقيق. فكما أن الشعب المصري ظهر لنا بوجهه الحقيقي، وهو ينظف شوارعه، ويغني، ويسمو بخفة دمه وروحه المرحة، أنتم أيضا تظهرون لنا وسامة وجمال الإنسان السوري. وكما أن الجهل المصري رد عليهم بالخيل والجمال، فإن الجهل السوري يرد بالضرب والشتائم. كل طرف يظهر على حقيقته في هذا النضال العربي الكبير. لقد ظهرت الشعوب العربية بحضاراتها العريقة وشعوبها اللطيفة المبتسمة، وظهرت الديكتاتوريات على حقيقتها، بينما كانت كل هذه الديكتاتوريات العربية تخيف العالم من وحشية شعوبها. هذه الطواغيت التي تقف على المنابر وتقول للعالم نحن الذين نحميكم من شعوبنا العربية الإرهابية. ولكن الحق بدأ يبزغ، وبدأت شمسه الوهاجة تسطع على الشعوب العربية المسالمة الحالمة بالحرية والكرامة. وها هي الشوارع العربية تنافس غاندي ومارتن لوثر كينغ في الإنسانية. شكرا يا اعتصام الشموع والرومانسية. لقد أعدتم للشعب السوري وجهه الإنساني بعد أن كانت الامبريالية صنفتنا في (محور الشر). وها أنتم الآن لا تقاومون الشر بالشر، بل تقاومون الشر بالجمال والمحبة. طوبى لكم! طوبى لكم يا صانعي السلام السوريين!

أيها الناس، لا تتهموا سوريا بالجبن، بل اتهموها بالإنسانية، والرقة. هذه تهمتنا الدولية. ونحن فخورون بها. نعم إننا نحمل تهمتنا في قلوبنا الرحيمة ونرفع أيادينا البيضاء، على طريق كل الأنبياء الذين قالوا لكل من قمعهم quot;ولنصبرن على ما آذيتمونا.quot;

أيها المعتصمون لقد نجحتم في كسر الخوف. أنتم لستم مهزومون. أنتم لم تكونوا في حرب لتعتبروا أنكم خسرتم إذا تلقيتم الضرب وتفرقتم. إن الذين أهانوكم أهانوا أنفسهم. أهانوا الكرامة في قلب دمشق. إن مجرد خروجكم مهما كان صغيرا هو الشمعة الأولى، حتى وإن أطفأوها. ولقد عم وهج الشمعة السورية اللطيفة.

واللطف قاهر. ولهذا قال الحكيم الصيني لاوتسه، quot;إن ألطف شيء في الدنيا يقهر أقسى شيء في الدنيا.quot; ونحن السوريين الذين ما يزال بيننا من يتكلم بالآرامية، لغة المسيح، في قلب سوريا، سنرفع تعاليم المسيح، الذي قال: من اتبعني لا يحطمه الصخر، ولكنه إن وقع هو على شيء يسحقه. وجودت سعيد يعيش بين ظهرانينا في هضبات الجولان، وهو الذي أعلن قبل خمسين عاما أنه على مذهب ابن آدم الذي قال quot;لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين.quot; نعم، نحن السوريين نخاف من ارتكاب الخطأ، ولهذا نتحرك بهدوء وحكمة. إن اللاعنف في سوريا رصيده نصف قرن. وإن المحبة في سوريا رصيدها ألفا عام. وإن اللطف السوري وشموع الرومانسية السورية ستضيء شوارع سوريا، وستنبت على الطريق إلى دمشق كل أحلامنا الجميلة، وسينهض العملاق السوري اللطيف ليستعيد مكانه في رحلة الإنسانية. quot;جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.quot; فالظلام لا يوجد إلا بغياب النور، والظلام دائما زاهق بوجود النور، ويأفل بمجرد إيقاد شمعة واحدة.