تضطلع الاغلبية الصامتة، في الدول التي تشهد هذه الايام ثورات وانتفاضات عظيمة، ضد انظمتها الشمولية الفاسدة، بدور ريادي وقيادي بارز. وفضلاً عن ان هذه الاغلبية تعد الوقود الرئيسي والمحرك الآساسي لهذه المظاهرات والاحتجاجات العارمة، ضد قلاع الديكتاتوريات الهزيلة البائسة، فأنها تقود نفسها بنفسها بجدارة واقتدار ملفتين، وكذلك تواجه آلة الموت والقتل بصدورها العارية وسط ذهول حقيقي، دون اي تأثير للاحزاب اوالتيارات الدينية او اليسارية او القومية او غيرها. من هنا فأن شجاعة هذه الشعوب وبسالتها وخاصة اجيالها الشابة، لايمكن ان تقارن بتخبط الانظمة وازلامهم ومرتزقتهم الجبناء.

ان الجامع او الرابط الوحيد بين الشباب الثائر، هو الرابط الوطني والانساني دون غيره، والشعور بالانتماء الى التراب الوطني الواحد، دون الوقوف عند الاسباب والدواعي التي من شأنها ان تفرق بينهم، كالحواجز الدينية اوالطائفية اوالعشائرية اوالمناطقية اوالطبقية، التي اختلقتها ورعتها الانظمة لعشرات السنين، للتفريق بين مختلف فئات هذه الاغلبية العظيمة، التي تسطر بشجاعتها واقدامها وتلاحمها بطولات تاريخية، من خلال قضائها على عروش اللصوصية والفساد في ايام قلائل.

لقد انطلقت الاغلبية الصامتة في الشرق، لتصنع التاريخ، ولتضع حداً للظلم والجور والاضطهاد، ولتدشن على انقاض الاستبداد شرق اوسط جديد، يسوده الديمقراطية وتكافؤ الفرص، ويتحقق في بلدانه العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات. ويرى المراقبون بأن من شأن هذه التغييرات في النهاية، ان تؤدي الى منح كل ذي حق حقه، وكذلك ان تؤدي لأول مرة في تاريخ المنطقة، الى بروز انظمة ديمقراطية، تحترم حقوق الانسان، وتكف عن العبث بمصير ومستقبل وثروات الناس، فضلاً عن الكف عن اذلال الشعوب وقتلهم وتهجيرهم، والتفرقة بينهم بسبب العرق اوالثقافة اوالدين او اللون.

فأنظمة القمع والاستبداد، بالاضافة الى انها تشكل خطراً كبيراً على شعوبها، فأنها كانت ولا تزال تعرض الامن والسلم الدوليين الى اخطار كبيرة مستديمة. فخطابها السياسي التحريضي التي توجه للداخل لتضليل الرأي العام المحلي، والهائه بحروب وعداوات وهمية مفترضة، حرضت طيلة عقود طويلة من الزمن على الحقد والكراهية تجاه الآخرين، ولاسيما تجاه الاجانب كالأوربيين والامريكيين وغيرهم، الامر الذي ادى الى بروز متشددين اسلاميين، وكذلك منظمات ارهابية من رحم وبطانة الانظمة الديكتاتورية، ازهقت ارواح عشرات الالوف من الابرياء العزل في انحاء مختلفة من العالم.

ان توق الشعوب وشغفها الى الحرية والتغيير، تجعلها تتدافع نحو ساحات التظاهر والاحتجاجات، للمطالبة بتحقيق الحرية، ولو كانت تضطر الى دفع الثمن غالياً، كما يجري الآن في ليبيا، حيث لجوء الطاغية المجنون الى قتل المتظاهرين العزل بأفتك انواع الاسلحة، وارتكاب مذابح وابادة جماعية بحق الشعب الليبي في سائر انحاء البلد، وتحويل شوارع المدن الى مقاصل حقيقية لقتل الناس على ايدي مرتزقة اجانب، جلبهم القائد لقتل الشباب الليبي، وسحل جثثهم في الازقة وتقطيعها على قارعة الطرقات. ولكن رغم تفنن الطغاة في قتل الشعوب، فأن الاغلبية الصامتة، حينما تخرج من صمتها وتصرخ بصوت واحد، تشق هديرها آنذاك عنان السماء، ليتداعى بعد ذلك عرش الاستبداد ويتحطم الى الابد.