& محمد بن سعود المسعود&

المسافة الفاصلة في تاريخ الحروب، والقهر، والظلم، والاستبداد هي ذاتها لا تتبدل ولا تتغير، هي المسافة التي تستقر بين قوة الحق، وحق القوة، الذي لا يحتشم من أحد، ولا يتوقف عند قيمة إنسانية أو أخلاقية أو دينية!

&وفقا لتقرير موسوعة وكيبيديا ــ الموسوعة الحرة ــ في أوائل 2004 تفجرت فضيحة انتهاكات جسدية ونفسية وإساءة جنسية تضمنت تعذيبا، واغتصابا وقتلا بحق سجناء كانوا في سجن أبو غريب في العراق، تلك الأفعال قام بها أشخاص من الشرطة العسكرية الأمريكية التابعة لجيش الولايات المتحدة، إضافة إلى وكالات سرية أخرى، وليسوا مواطنين هاربين من العدالة. تعرض السجناء العراقيون إلى انتهاكات لحقوق الإنسان: إساءة معاملة واعتداءات نفسية، وجسدية، وجنسية شملت التعذيب، وتقارير عن حالات اغتصاب ولواط والقتل، قام بها سجانوهم في سجن أبو غريب، وكان يتم تصويرها جميعا. وبحسب جريدة "نيويورك تايمز" قامت الحكومة الأمريكية بإجراء تحقيق شامل، بعد انتشار الصور المشينة أخلاقيا عن سجن أبو غريب، وقد تم اتهام بعض أفراد الشرطة العسكرية من الرتب الصغيرة، أمثال الرقيب مايكل سميث في قضية المشرف على الكلب في التحقيق، الذي حوكم بالسجن ثماني سنوات ثم خففت لاحقا إلى ثمانية أشهر فقط!

&حتى 2008 أعلى رتبة عسكرية تعرضت للمحاسبة كان النقيب شوان مارتن، الذي حوكم بالسجن 45 يوما وغرامة 12 ألف دولار أمريكي فقط!

الصور للضحايا الأحياء.. أو الذين أزهقت أرواحهم تحت التعذيب، كانت مروعة جدا، ارتاع من هولها ضمير العالم، إلا ضمير أمريكا، حيث كانت ــ عدالة القضاء الأمريكي ــ وضميره ــ قد قضيا بثماني سنوات سجنا للرقيب مايكل سميث فقط، سرعان ما اكتفي منها بثمانية أشهر! وهذه العقوبة هي أقل بكثير من عقوبة تعذيب الكلاب أو تعمد قتلها، وبالفعل تم صدور أحكام قضائية تجاوزت بكثير عقوبة الرقيب مايكل في قضايا تعذيب قطط وكلاب أمريكية! بمعنى آخر: إن الآلاف من العراقيين الذين تم إذلالهم، وتعريتهم، وتعذيبهم، والاعتداء الجنسي عليهم، وتقديم أجسادهم العارية للكلاب الجائعة.. وصعق أعضائهم التناسلية بالكهرباء، ما تسبب في عجزهم الجنسي بقية حياتهم..! هم أقل قيمة من كلابها وقططها الضالة، وأكثر أهمية أمام ضمير القوة الأمريكي، وحق القوة.. الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية تجاه شعوب العالم. أما قتل مليون طفل عراقي فإن ــ ضمير أمريكا ــ وحق القوة ــ فلهما سبب سياسي مقبول، بحسب قول وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ــ مادلين أولبرايت! ولم تتورع أمريكا عن استعمال الأسلحة المحرمة دوليا، واليورانيوم المنضب، على المناطق السكنية، وتدمير كل المرافق الإنسانية والمدنية.. بما فيها الملاجئ للمدنيين العزل! وبعد الاحتلال تم قتل أكثر من ألف عالم عراقي بنظام القتل خارج القانون، وبدم بارد، وكانت القوائم معدة سابقا، ويتم قتل العلماء أمام أطفالهم وزوجاتهم، وأحيانا تتم تصفيتهم جميعا من خلال استهداف منازلهم وقتل كل من فيها من النساء والأطفال والكهول.

&قرار "جاستا" يفسح المجال اليوم لشعب العراق، الذي تمت محاصرته لمدة 13 عاما، لأسباب كاذبة، ثبت كذبها وتركيبها، وتم تدمير العراق كاملا في حضارته، ومدنيته، وإنسانه، وتم تشريد أكثر من نصف سكانه وتدمير بنيته التحتية بالكامل، وقتل أكثر من مليون مدني خارج القانون مع سبق الأصرار والترصد وبدم بارد، وارتكاب كل الفظائع التي يمكن تصورها في حق الشعب الأعزل، وكانت العقوبات وفقا لضمير العدالة الأمريكي 45 يوما سجنا وثمانية أشهر.. لرجلين وامرأة برتبة رقيب فقط لا غير!

&بات من الملح أن يقبض الضحايا حول العالم على القانون الأمريكي الذي يهدم كل القانون الدولي، وقانون السيادة للدول، لأنها في نهاية المطاف أكثر دولة في العالم تضررا من هذا القانون إن أصرت على فرضه على العالم.. وتغيير قواعد القانون الدولي الذي لا يجع لمحكمة محلية في دولة، الولاية على سيادة الدول وأموالها! وللحديث تتمة..!