عبدالله خليفة الشايجي

تبقى الأزمة السورية هي النزيف الدامي في جسد الأمة العربية والجرح الأكثر إيلاماً في وقتنا الراهن، والأكثر تغطية ومتابعة بسبب الكارثة الكبيرة التي لا حدود لحجم وأبعاد معاناتها وخسائرها، وتذكرنا بها يومياً وعلى مدار الساعة وسائل التواصل الاجتماعي وشاشات التليفزيون وصولاً لعرض أشلاء وصور مؤلمة وأخرى لا تحتمل، وصرخات الأطفال المتضورين «نحن جوعانين» و«بدنا ناكل»! وصور أخرى لأطفال ومسنين يموتون جوعاً وسط حصار تصفه منظمات إنسانية بأنه يرقى إلى مستوى جرائم الحرب. وكأنه كُتب على السوريين الموت إما قصفاً بالصواريخ والبراميل المتفجرة، أو بالكيماوي، أو جوعاً! وهكذا يتم تحويل الحصار والتجويع إلى سياسة تركيع ممنهجة يمارسها النظام وحلفاؤه!

وكأننا علقنا في الزمن! وينطبق المشهد مع ما كان عليه الحال هناك قبل عامين، مع فارق أن المحنة السورية أصبحت أكثر دموية وبشاعة. وقد ارتفع عدد الضحايا إلى أكثر من 300 ألف، وتجاوز عدد الجرحى المليون، وصار أكثر من نصف شعب سوريا، أي ما يزيد على 12 مليوناً، لاجئين أو مشردين أو تائهين في الداخل والخارج. وزاد التدخل الدولي تفاقماً بمشاركة روسيا، وقبلها أميركا مع خمس وستين دولة في قتال «داعش» التنظيم اللغز الذي تفاقمت شوكته انطلاقاً من سوريا قبل أقل من عامين، واحتل حوالي نصف أراضيها! وتدخل الجميع بحجة محاربة الإرهاب! وحتى إيران وحرسها الثوري وميليشياتها الطائفية و«حزب الله»، والكل يدّعون حرب «داعش».. المتمددة. وهكذا يساهم الجميع في إضفاء المزيد من التعقيد على الأزمة السورية. وفي هذا الوقت بدلًا من محاكمة الأسد ونظامه وزبانيته على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها، نرى أن هناك مساعي لتعويمه والدفاع عنه بحجة أن البديل هو الإرهاب والجماعات الإرهابية و«داعش» وأخواتها!

&


لقد مرت خمسة أعوام دامية ومؤلمة على الأزمة في سوريا. والمؤلم للأسف أنه لا توجد بارقة أمل بقرب خلاص الشعب السوري المكلوم والمظلوم والمقتول والمشرد. والأكثر إيلاماً هو الصمت الدولي على جريمة العصر الذي يصل إلى حد التواطؤ والتآمر على الشعب السوري.

وكما توقعنا، للأسف فوضع سوريا صار اليوم أسوأ وأكثر تعقيداً.. وتحول شعبها إلى أرقام مؤلمة من قتلى وجرحى ومشردين ولاجئين ومعذبين وثكالى وأيتام وأرامل! ودخلت روسيا على خط الأزمة، وصعّدت إيران وميليشياتها من تدخلاتها.

وفي المقابل ساعدت السعودية على توحيد شتات المعارضة التي لا تزال مفرقة. وتتحدث الرياض اليوم في تطور ملفت عن استعدادها للمشاركة في حرب برية ضمن قوات التحالف الدولي لمحاربة «داعش» في سوريا، ما ينقل الحرب على التنظيم إلى مستوى ومنحى جديد تأخر كثيراً منذ بدء الحرب الجوية عليه في العراق وسوريا في صيف عام 2014. وكانت الكويت قد استضافت أيضاً مؤتمر المانحين الثالث في مارس 2015.

وبقيت أميركا مترددة وأوروبا ضائعة وزادت أزمة اللاجئين الضياع والتخبط الأوروبي. وتزامن في الأسبوع الماضي انعقاد مفاوضات «جنيف 3» مع «مؤتمر المانحين 4» في لندن، وتم التعهد بتقديم 11 مليار دولار، تنفق 6 مليارات دولار منها هذا العام، و5 مليارات حتى عام 2020! ولكن كيف وأين ستنفق هذه المليارات، حيث يستمر التحدي بين الوعود والوفاء بالتعهدات؟ وكيف يتم إيصال المساعدات للاجئين والمشردين والنازحين في الخارج، والأهم في الداخل السوري نفسه، حيث لأول مرة في تاريخ البشرية الحديثة يتحول نصف شعب دولة إلى لاجئين ومشردين ونازحين! وفي كل عام يزداد عددهم وتكبر معاناتهم.

وكما توقعنا فقد فشلت مفاوضات أو محادثات «جنيف 3» بين وفدي النظام والمعارضة. حيث رفض وفد المعارضة السورية في البداية المشاركة في مفاوضات جنيف قبل أن تطبق الفقرتان الخاصتان بالشق الإنساني من قرار مجلس الأمن 2254، برفع الحصار وإدخال مساعدات إنسانية. وبعد تعهدات أميركية شارك الوفد ليكتشف أنه قد خُدع، وأن القصف كان هو الأعنف والأقسى في حلب وريفها وريف درعا! وخاصة أن الطيران الروسي أمّن غطاء جوياً لقوات النظام والميليشيات الموالية له، لتقطع طريق الإمدادات من تركيا إلى حلب، وتحاصر هذه المدينة الكبيرة التي يقطنها ملايين الأشخاص، وتدفع بموجة تقدر بـ70 ألفاً من اللاجئين باتجاه الحدود التركية، لتزيد من حجم المأساة والمعاناة والدمار!
&