نجيب عبد الرحمن الزامل

&.. جاء الوقت لإنزال المصطلح الاقتصادي القياسي لثروات الأمم "الناتج القومي الكلي" GNP من عرشه. لقد لاحظ مختصو التطوير أن هذا المقياس لم يعد دقيقا، بل إن الحماسة له في تناقص، وربما ولت نهائيا لدخول مقياس جديد أهم وأدق وأنفع وأكثر عدلا ومساواة.&

خرج مصطلح "الناتج القومي الكلي" بكل هيمنته وسطوته القياسية في لقاء "بريتون وودز" في سنة 1944. وكما قلت يعتبره بعض المختصين الآن قياسا يخلو من الدقة العادلة للنمو الحقيقي المتوازن، بل تطرف بعضهم وقال إن قياس الناتج القومي يعتبر قياسا أعمى ضلل الأمم عن أهداف النمو الآمن وقاد لمسالك الاهتزاز وعدم الاستقرار لتركيزه الصرف على الناحية الرقمية المادية.

&طيب، ما هو القياس المقترح الجديد؟ إنه "مقياس الناتج القومي للسعادة" GNH. نعم، وجد المختصون وبمنتهى الجدية والصرامة العملية أن مقياس الناتج القومي للسعادة هو البديل الأصح، بل في رأي بعض متحمسيه من المختصين إنه القياس المثالي للنمو المتوازن الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والنفسي في كل أمة، وإن توافر هذه العناصر الأربعة هو الذي يتيح التقدم العادل والمستمر للأمة ومصادر ثرواتها، ولقوتها البشرية العاملة.&

والملاحظة التي يبديها الاجتماعيون الاقتصاديون أن السعادة لا تحقَّق فقط عن الطريق الاقتصادي، أو الازدهار المالي، لأن السعي البحت لتحقيق الرفاه المادي الصرف قد، بل كثيرا ما يقود للتأثير السلبي في الموارد غير القابلة للتجدد، وعلى النفسية البشرية جماعة وأفرادا فيستبدل القيَم العادلة العملية التي تتيح للناس أن يستمروا في حياة متوازنة في دخلها ومواردها بالجشع الذي يجعلهم يتعدون ويبالغون في استنزاف الموارد الناضبة والشحيحة النادرة، وبالتالي لا يحققون الاستدامة الانتقالية التي تتيح الفرص ذاتها للأجيال القادمة لتعيش عيشا هانئا وعادلا ومكتفيا كما فعلت الأجيال التي سبقتهم.&

والحقيقة المسجلة كما يقول التقرير عن الناتج القومي للسعادة الذي خرج في تقرير في عام 2015 أن شعوب الأمم المتقدمة دخلت فعلا مرحلة "ما بعد المادية". أي أنها لم تعد تجد سعادتها ورضاها في الصرف الاستهلاكي والاقتناء المادي، وصاروا يقدمون قبل ذلك هناءة الحياة النفسية والجسدية، والتعليم الجيد، والاهتمام بالاستدامة، والحفاظ على البيئة الخاصة والكوكبية بشكل أعم.

&إن المقياس الجديد المبني على السعادة، يحقق التقدم أكثر من المقياس المادي للناتج القومي، لأن الشعوب الأكثر سعادة هي الشعوب الأكثر إنتاجا، ليس الأكثر فقط بل الأعلى جودة، والألمع ذكاء وابتكارا.&

أول من نادى ليوم عالمي للسعادة الذي خصصت الأمم المتحدة له يوم 20 آذار (مارس) من كل عام هو رئيس وزراء دولة بوتان. والآن يدخل نادي الناتج القومي للسعادة قادة عالميون معتبرون مثل ملك تايلاند، وأمير ويلز، ورئيس وزراء الإمارات، ورئيس الهند، وكوستاريكا، وفرنسا، ومستشارة ألمانيا، ورئيس وزراء المملكة المتحدة، وكندا، وماليزيا.. والحبل على الجرار.

&من أسعد دول العالم وأهنأها وأكثر مجتمعاتها إنتاجا ورضا هي الدول المسماة النوردكية ومنها الدنمارك، وآيسلندا، والنرويج، وفنلندا، ومعهما سويسرا، وتصوروا حتى الكيان المغتصب الإسرائيلي. وفي القاع المظلم تقبع أفغانستان، وبوروندي، وتوجو، وسورية.&

في التحول الوطني الذي نريده طموحا لتقدم مملكتنا لماذا لا يكون العمادُ والمحور لخططه وبرامجه ومشاريعه هو مقياس الناتج القومي السعودي للسعادة؟