&عبدالله خليفة الشايجي

منذ قيام مجلس التعاون الخليجي في 25 مايو 1981 في أبوظبي، والآمال معقودة على هذا المجلس ليشكل عاملاً مهماً في جمع وتوحيد القدرات العسكرية لدول المجلس الست في منطقة الخليج العربي ليحقق «القيمة المضافة» في إنجاز التوازن العسكري ومنع الخصوم وردع الأعداء عن تهديد أمن دول المجلس أو الاعتداء عليها أو التدخل في شؤونها.

واليوم مع الذكرى الخامسة والثلاثين لقيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية زاد قوس الأزمات والتهديدات والتحديات، ولم يعد ما تحقق خلال العقود الثلاثة والنصف الماضية كافياً لتحقيق «القيمة المضافة»، ولا لدرء التهديدات والمخاطر، وهناك حاجة ملحة لتطوير قدرات المجلس ليحقق الأهداف التي قام من أجلها، وخاصة في ظل استمرار الخلل في ميزان القوى الإقليمي، وفي ظل تغير جيو-استراتيجية المنطقة، بسقوط العراق كعامل موازن لإيران والتحاقه ودورانه في الفلك الإيراني، ومكمن خطورة سيطرة إيران على العراق هو تمكينها من الحصول على تواصل بري مع (الكويت والسعودية)، واللافت أن مناورات «رعد الشمال» بمشاركة 20 دولة إسلامية، بقيادة السعودية، في حفر الباطن قبل شهرين، جرت على بعد 240 كلم من الحدود الإيرانية، وفي ذلك دلاله ورسالة لمن يعنيهم الأمر.

وتشير نظرية التحالف العسكري في العلاقات الدولية إلى أن الهدف الرئيسي للتحالف هو زيادة القدرات الذاتية وتحولها إلى قدرات جماعية تحقق الأمن والاستقرار وتقلص من الشعور بالحصار تجاه عدو أو خصم حقيقي أو متوقع، والمعضلة الأمنية التي عانت منها دول التعاون الخليجي منذ قيام المجلس، وحتى قبل ذلك، هي غياب نظام توازن قوى إقليمي في منطقة الخليج العربي، يحقق توازناً بين الفاعلين الرئيسيين، دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والعراق، وهذا كان قائماً في ظل نظام صدام حسين، وزاد خلل توازن القوى في منطقة الخليج العربي مع سيطرة إيران على العراق، وتحول طهران إلى ما يُوصف في العلاقات الدولية بـ«اللاعب الكلاسيكي الساعي للهيمنة» مستفيداً من غياب أي طرف إقليمي يردع ويوازن اللاعب الأقوى، الذي يحول تلك القوة إلى هيمنة ونفوذ وتمدد، وهذا يفسر المشروع الإيراني وتمدد إيران وتحالفها مع بعض الدول، وغير الدول، وتباهي قيادات إيران السياسية والعسكرية والدينية بسيطرتها عبر حلفائها وأذرعها على أربع عواصم عربية، وتمدد حدودها كما يقول مستشار المرشد الأعلى من حدود العراق إلى البحر المتوسط.

وقد شهدت الأعوام 1979-1981 إرهاصات لأحداث وتهديدات كبيرة دفعت قادة دول الخليج العربية بمبادرة من الشيخ جابر الأحمد الجابر والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (رحمهما الله)، لتشكيل مجلس التعاون لدول الخليج العربية تحت مفهوم عربي معروف «في الاتحاد قوة»، وهذا ما حدث قبل 35 عاماً.

ولكن العامل الأهم في التحالف الأمني لم يتحقق وهو التوازن الإقليمي، وخاصة أن قوس الأزمات والتهديدات كان يقترب من دول المجلس، من الثورة الإيرانية، والإصرار على تصدير الثورة! والاحتلال السوفييتي لأفغانستان، ومبدأ جيمي كارتر بالتهديد بقوة السلاح لكل من يستهدف مصالح أميركا في الخليج العربي، إلى حادثة جيهمان العتيبي في الحرم المكي عام 1979، واتفاقية كامب ديفيد وخروج مصر من الصف العربي. والتطور الأكثر تهديداً كان الحرب العراقية الإيرانية على مدى ثمانية أعوام، التي وجدت دول المجلس نفسها طرفاً متأثراً بها، ودفعت أثماناً باهظة لحروب الآخرين.

ولم تنجح دول المجلس في تحويله إلى تحالف بأسنان ومخالب، على رغم إنشاء «درع الجزيرة» والاتفاقية الأمنية للدفاع المشترك عن دول المجلس، فإن ذلك لم يمنع صدام حسين من تهديد وغزو واحتلال دولة الكويت في أغسطس 1990 ليقع ردع الغزو والاحتلال العراقي وتحرير الكويت بقيادة دولية تحت راية الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، واليوم يتكرر ذلك بعدم قدرة دول المجلس على تشكيل جبهة متراصة توازن المشروع الإيراني وتمنع طهران وغيرها من التدخل في شؤون دول المجلس، وهذا ما نشهده خاصة منذ الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى في صيف عام 2015، وزاد تدخلها السافر في شؤون دول المنطقة بتجنيد وتدريب وتسليح خلايا إرهابية وتجسسية حسب ما تم كشفه في البحرين والكويت والسعودية. ودعم مليشيات طائفية تهدد أمن واستقرار دول مجلس التعاون ودول عربية، كما هو الحال في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.

ومع تعثر التكامل العسكري لدول مجلس التعاون ركزت على التكامل الاقتصادي، ونجحت في التوصل لاتفاقيات مهمة كالاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والمواطَنة الخليجية والربط الكهربائي، وكذلك مشروع طموح للسكك الحديدية يربط الكويت شمالًا بمسقط جنوباً! ولكن حتى تلك المشاريع الاقتصادية لم تؤتِ أُكلها بعد ولا تزال متعثرة، وخاصة بعد عدم انضمام دول للعملة الخليجية الموحدة، والخلاف على مقر المصرف المركزي الخليجي، وهددت دولة بالانسحاب من المجلس إذا ما انتقل من مراوحة التعاون إلى الاتحاد الخليجي، كما طالب بذلك الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز في القمة الخليجية عام 2011. وبعد خمسة أعوام، وتشكيل لجنة من الدول الأعضاء، وعلى رغم حجم التهديدات والمخاطر، وزيادة التهديد من الإرهاب والمنظمات الإرهابية، بالإضافة إلى التهديدات من الدول، فلا يوجد ما يشير إلى أن هناك تفكيراً استراتيجياً خليجياً في مقاربة الأزمات والتهديدات بشكل جماعي. ونرى ذلك في العلاقة مع إيران والمشاركة بـ«عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» في اليمن.

واليوم ما بعد بلوغ المجلس سن الرشد، بات ملحاً تحويله إلى مركز ثقل إقليمي يحقق توازن القوى والرعب مع القوى المعادية، ولذلك ظهر «مبدأ الملك سلمان» ليحقق الأمن والاستقرار والردع، لإنجاز رؤية «الآباء المؤسسين» قبل خمسة وثلاثين عاماً.