&&هدى الحسيني& &&

شن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله هجومًا عنيفًا على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واتهم الروس بأنهم تآمروا وعرقلوا تقدم «قواته» إلى حلب. سبق هذا الهجوم الاعتراف لإيران بأنها تقدم الأموال والصواريخ للحزب. هذا التحدي اللافت كان «ثمن» الهجوم على بوتين. لكن، وكما لا بد أن الأمين العام لـ«حزب الله» يعرف جيدًا أن القصة غير مرتبطة بسوريا وبمعارك حلب، بل بالتغييرات التي تحدث داخل التركيبة الإيرانية، وبالتالي كان خطابه «الناري»، يوم الجمعة الماضي، عبارة عن تأكيد ولائه لفريق «الحرس الثوري» والجنرال قاسم سليماني، إن كان في استيطائه الحائط اللبناني، أو في هجومه على بوتين أو على السعودية أو على البحرين.

تحدث تغييرات في إيران، لكن المهم أنه قبل ومع هذه التغييرات، فإن مدينة حلب لن تسقط بأيدي قوات النظام، أو بأيدي إيران أو بأيدي «حزب الله»، فالتاريخ لا يسمح بذلك، وهوية حلب لن تتغير.

تعديل في المناصب وتغييرها، أثارا احتمال أن طهران بصدد إعادة البوصلة في السياسة الإقليمية، ففي 10 يونيو (حزيران) أعلنت طهران أن الأدميرال علي شمخاني، سكرتير مجلس الأمن القومي، أُضيفت إلى وظيفته وظيفة أخرى تم إنشاؤها حديثًا، وهي المنسق رفيع المستوى مع سوريا وروسيا للشؤون العسكرية والسياسية والأمنية. بعد 9 أيام أصدر محمد جواد ظريف، وزير الخارجية، قرارًا بتعيين حسين جابري أنصاري مساعدًا له للشؤون العربية والأفريقية خلفًا لحسين أمير عبد اللهيان.

تجدر الملاحظة إلى أن تعيين شمخاني في المنصب الحديث جاء بعد يوم واحد من الاجتماع الثلاثي الذي عقد في طهران لوزراء دفاع إيران وروسيا وسوريا. وكان اللافت أن الوزير الروسي سيرغي شويغو التقى، على هامش ذلك الاجتماع، شمخاني فقط من بين كل المسؤولين الإيرانيين الآخرين، كما أن شويغو كان قد وصل إلى طهران بعد يومين من زيارة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى موسكو ولقائه الرئيس بوتين.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، وقبل الإطاحة بعبد اللهيان، وبعد لقائه ظريف في النرويج على هامش قمة «مؤتمر أوسلو» قال جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، في 15 يونيو، أنه شعر «برياح تغيير في التفكير الإيراني تجاه سوريا، وقد تكون هناك بعض الاحتمالات»، بدوره أعلن ظريف في طهران، قبل توجهه إلى أوسلو، أنه يأمل في مناقشة مسألة سوريا مع كيري، وربما أدى تعيين شمخاني إلى «هذه النقلة»، وكان نُقل عن ظريف قوله لكيري إنه صارت لديه سلطة أوسع في الملف السوري، وإن إيران على استعداد لابداء مرونة من أجل حل سياسي.

بدوره كان العميد حسين دهقان، وزير الدفاع الإيراني، قال خلال الاجتماع الثلاثي الذي عقد بمبادرة إيرانية إن بلاده كانت دومًا من دعاة التفاوض ومعالجة الأزمة السورية عن طريق الحوار السوري - السوري! بعد عودة ظريف من أوسلو جاء الاستغناء عن خدمات عبد اللهيان. كان صدى إقالة الأخير، حبس أنفاس كثيرين، فهو مقرب جدًا من «الحرس الثوري» وكان يصول ويجول في لبنان، وعلى الأقنية التلفزيونية الممولة من طهران يبث خط سياسته المتشددة تجاه الحرب في سوريا، وبالنسبة إلى التحريض على المملكة العربية السعودية.

يقول لي مصدر مطلع: «إن إبعاد عبد اللهيان كان لا بد منه بعدما أعطى شمخاني الدور المحوري كمنسق للحرب في سوريا».

في زمن الرئيس محمد خاتمي كان شمخاني وزيرًا للدفاع، ثم أنه رعى تطبيع العلاقات مع السعودية عام 2004، علاقته الآن مباشرة مع المرشد الأعلى. خلال الحرب العراقية - الإيرانية شغل منصب قائد القوات البحرية، يقول محدثي: «لا غبار عليه في تاريخ الحرس الثوري، لكنه براغماتي، وأقل صلابة آيديولوجية في عملية صنع القرار، ومعه يبدو أن صناع القرار في إيران صاروا على استعداد للتحول نحو المزيد من الدبلوماسية في سياستهم السورية».

حتى الآن، تركيز القيادة الإيرانية قائم على «المقاومة» بإشراف قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني الذي يبقى على عجلة الحرب دائرة في سوريا والعراق ولبنان. السؤال: أين هو سليماني من كل هذه التغييرات الأخيرة؟!

رُسمت حوله الكثير من قصص البطولات، تحول إلى بطل في القصص الإيرانية، وتزداد التكهنات بأنه يجري إعداده ليكون الرئيس الإيراني المقبل.

عندما أنشأ آية الله الخميني «الحرس الثوري» كان الهدف أن يكون بمثابة الحرس «الإمبراطوري» للنظام الجديد، لكن مع السنوات ومع زيادة استثماراته المالية زاد طموحه السياسي. مهمته ليست سهلة، في سوريا طال عمر الحرب، ولم يستطع سليماني حسمها. كذلك وضع الحرس في العراق، وإن كانت سيطرته ونفوذه هناك أوسع، ثم إنه رأس حربة النظام الإيراني وسياسته العدائية والتوسعية في المنطقة امتدادًا إلى لبنان على أساس «المقاومة» ضد إسرائيل، و«الحرس الثوري» يعتبر «حزب الله» خط الهجوم والدفاع الأول له ضد إسرائيل، ثم إن من مهماته الأخرى استمرار تأجيج العداء لأي تطبيع محتمل بين إيران وأميركا.

أيضًا بعد هذه التعديلات الداخلية، عُلم أن سليماني غادر العراق وتوجه إلى سوريا «تحضيرًا لعملية واسعة النطاق يشرف عليها هو ويخوضها الجيش السوري والقوى الشعبية ومقاتلو (حزب الله) في جنوب حلب».

يقول محدثي: «عندما أذكر اسم سليماني فإنما أقصد (الحرس الثوري)، وإذا نجح سليماني في القيام بهجوم على حلب، فإن الهدف ليس المدينة، بل تقويض كل سياسة ظريف وتحركات روسيا والدور الجديد لشمخاني والوعود التي أعطيت لكيري بشأن وقف إطلاق النار في سوريا». أسأله: ما موقف الرئيس السوري؟ يجيب: «لقد كثر الطباخون، وليس معروفًا من سيدس السم».

يلفتني إلى تصريح لأحد كبار مستشاري سليماني الجنرال عراج مسدجي بأن «الحرس الثوري» سوف يستمر في القتال في العراق وسوريا، وأيضًا في قتال تنظيم داعش، حتى مقتل آخر تكفيري، وأن القوات الإيرانية منهمكة في القتال «للدفاع عن حدود بلادنا». أسأله: أين تقع حدود «بلادنا» هذه؟ يعيدني إلى ما يكرره السيد نصر الله في كل خطاباته: سنضاعف عدد قواتنا في سوريا وفي العراق.

الأبرز في مواقف سليماني، الذي قليلاً ما يصرح، تحذيره يوم الاثنين 20 الشهر، الذي أطلقه من سوريا لمملكة البحرين، وبأنه سيقلب النظام هناك ما لم تتراجع وتعيد الجنسية لآية الله عيسى قاسم.

عندما أطاح ظريف بعبد اللهيان، كان راغبًا في تحقيق الانسجام في وزارته فأقنع الرئيس حسن روحاني بالحاجة إلى نقلة نوعية على مستوى السياسات الإقليمية، ومن المؤكد أن المرشد الأعلى وافق على هذا. تهديد سليماني للبحرين استفزازي للغاية، ويسقط صورة إيران التي يحاول روحاني وظريف تسويقها كدولة إقليمية مسؤولة.

الصراع على السلطة في إيران يزداد شراسة، من المؤكد أن روحاني لا يريد أن يلقى مصير خاتمي. يقول محدثي: «إنه يعتمد على دعم أجنحة داخل المؤسسة الدينية التي تعمل ضد هيمنة (الحرس الثوري) وقد لا يكون هذا كافيًا».

المعركة اشتعلت بين روحاني وظريف من جهة، و«الحرس الثوري» من جهة أخرى. هل ينجح ظريف في ترجمة ما قاله لكيري عن «احتمالات» إيرانية لوقف النار في سوريا وتحفيز عملية السلام؟ أم يعلنها قاسمي حربًا مفتوحة في «حلب»؟

وعود على بدء، يتبين الآن أبعاد هجوم السيد نصر الله على روسيا وتهديده المصارف اللبنانية، وتحريضه ضد السعودية والبحرين... إلخ. إنها معركته التي لا يناسبها «تحفيز أي عملية سلام لا تضمن بقاء الأسد»!

&

&