الحسين الزاوي


تتجه العلاقات الروسية الأمريكية نحو مزيد من التوتر والمواجهة خلال السنوات المقبلة، وتشكل الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستشهدها روسيا في مارس/آذار المقبل، محطة حاسمة وفي غاية الخطورة في مسار المواجهة المتعددة الأوجه ما بين واشنطن وموسكو؛ حيث من المنتظر أن يأخذ الصراع بين البلدين صيغاً وأشكالاً فتاكة وغير معهودة تتجاوز حتى تلك التي عايشها العالم خلال الحرب الباردة، وبخاصة بعد أن استطاعت كلا الدولتين تطوير إمكانات قوية في مجالات الحروب الإلكترونية والإعلامية والاقتصادية والاستخباراتية، وحتى البيولوجية. 


ويذهب المراقبون للشؤون الدولية إلى أن الضغوط التي مازال يتعرض لها دونالد ترامب من طرف المؤسسات الفيدرالية الأمريكية تهدف بشكل واضح إلى ضمان استمرار خيار التصعيد الأمريكي ضد موسكو لحرمانها من الحصول على هدنة سياسية تمكنها من التأثير في مسار هذه الحرب المفتوحة، وبخاصة بعد أن استفادت روسيا من حالة الهدوء النسبي التي طبعت العلاقات ما بين البلدين في عهد الرئيس السابق باراك أوباما والتي مكنتها من تحقيق بعض الانتصارات على مستوى الحرب الإلكترونية. 


وقد أخذت هذه المواجهة غير التقليدية منحى تصاعدياً مع بداية الألفية الجديدة وأخذت أبعاداً جيوسياسية وجيواستراتيجية بالنسبة لمجمل الدول الغربية في سياق صراعها مع روسيا والصين، وقد مثلت انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة منعطفاً حاسماً في هذه الحرب المتعلقة بالفضاءات الافتراضية بعد اتهام السلطات الأمريكية لموسكو بالتدخل في مسار المعركة الانتخابية التي جمعت بين ترامب والسيدة كلينتون، واستمر مسلسل التصعيد بعد اتهام واشنطن للشركة الروسية المختصة في إنتاج الأنظمة المضادة للفيروسات «كاسبيرسكي» بممارسة الجوسسة الإلكترونية، وذلك قبل أن يكشف موقع «ويكليكس» مؤخراً عن قيام وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتزوير شهادات التثبت من صحة برنامج كاسبيرسكي، الأمر الذي أكدته الشركة الروسية التي قالت إن الأمريكيين قاموا بإصدار نسخ مقلدة لشهاداتها تحمل شفرة مضللة، بهدف التلاعب بمحتوى نظامها الموجّه لحماية حواسيب زبائنها. كما قامت دائرة الأمن الداخلي الأمريكي في السياق نفسه، بدعوة المؤسسات العمومية الأمريكية في 13 سبتمبر/أيلول الماضي، للتخلي عن استعمال البرامج الروسية المضادة للفيروسات. 


وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أكد من جهته أن واشنطن تريد توظيف حدث الألعاب الأولمبية الشتوية التي ستجري في موعد قريب من تاريخ الانتخابات الرئاسية الروسية خلال السنة المقبلة، من أجل إثارة زوبعة كبيرة حول المزاعم المتعلقة بتهم تعاطي المنشطات لخلق جو عام مشحون ومليء بالشكوك حول نزاهة المؤسسات الروسية الرسمية، لاسيما أن الهيئات الرياضية الدولية تخضع لضغوط كبيرة من قبل الشركات الأمريكية الكبرى في مجال الإشهار والبث التلفزيوني. ومن الواضح تماماً بالنسبة لبوتين أن الولايات المتحدة، ستبذل قصارى جهدها من أجل التأثير على الانتخابات الرئاسية الروسية رداً على ما أسمته بالتدخلات الروسية في الانتخابات الأمريكية الأخيرة. 


ويشير خبراء الأنظمة المعلوماتية إلى أن الولايات المتحدة ما زالت تمثل القوة العظمى بالنسبة للحروب الافتراضية والإلكترونية، وتملك إمكانات هائلة من حيث القدرة على جمع المعلومات والمعطيات والبيانات المتعلقة بالأفراد والشركات والمؤسسات والدول، وتستخدم فضلاً عن كل ذلك وسائط التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة مثل فيسبوك وتويتر من أجل الحصول على معطيات استخباراتية في منتهى الأهمية، كما تملك قدرات هائلة للتجسس على البريد الإلكتروني للمستخدمين، وتسعى إلى توظف محركات البحث التابعة لها من أجل التحكم في سيل المعلومات وفي توجيهها من أجل التأثير على خيارات رواد الشبكة العنكبوتية. لذلك فقد اتخذت السلطات الروسية إجراءات جديدة بهدف مراقبة نشاط شركة فيسبوك الأمريكية في روسيا، وستعمل إجراءات المراقبة الروسية على محاولة تتبع الكيفية التي يتم بها جمع البيانات الشخصية المتعلقة بالمستخدمين الروس، وعلى فحص كل ما يتعلق بإجراءات وشروط الاستخدام التي تعتمد عليها شركة فيسبوك. 
وعليه فإنه وتزامناً مع التضييق الذي تمارسه الدول الغربية بقيادة واشنطن على وسائل الإعلام الروسية في سياق الحرب الإعلامية، وبخاصة على قناة «روسيا اليوم» ووكالة «سبوتنيك» للأخبار، تفكر موسكو من جانبها في فرض قيود على نشاط بعض وسائل الإعلام الغربية وفي طليعتها «سي إن إن» الأمريكية و«بي بي سي» البريطانية في روسيا، وستزداد هذه المواجهة الإعلامية حدة مع اقتراب الانتخابات الروسية. 


وقد وصلت هذه الحرب الشاملة إلى ذروتها مع اكتشاف روسيا لنشاطات مريبة تمارسها مجموعات دولية متخصصة في البحث البيولوجي؛ حيث قامت الأجهزة الفيدرالية الروسية بوضع حد لعمل شركة أجنبية، كانت تقوم بجمع معطيات بيولوجية خاصة بالمواطنين الروس، واعترف ضابط أمريكي أن البنتاغون يقوم فعلاً بإجراء أبحاث تتعلق بالنواحي البيولوجية للروس في سياق أعمال بحثية شاملة تهدف إلى فهم أسرار النسق البيولوجي للجسم البشري. 
ويمكننا أن نتساءل في الأخير، بناء على ما يتوافر لدينا من معطيات بشأن هذه المعارك التكنولوجية والإلكترونية التي تدور رحاها بين القوى الكبرى، عن مصير ومستقبل البشرية في حال قيام المتحاربين باستخدام كل هذه الوسائل الفتاكة من أجل حسم الحرب لصالح طرف من الأطراف، لاسيما أن هذه الوسائل والتجهيزات الفائقة التطور لا تهدف فقط إلى تحقيق الردع المتبادل في سياق سياسة توازن الرعب، كما هو الشأن بالنسبة للأسلحة النووية، لكنها تعمل على تحقيق مكاسب مادية مباشرة وتهدف إلى السيطرة على فضاءات جديدة يمتلكها الخصم وذلك على حساب الاستقرار والسلم الدوليين، بشكل قد يهدد على المديين المتوسط والبعيد مستقبل الإنسانية برمتها.