صادق ناشر

المعارك التي تخوضها القوات العراقية هذه الأيام والهادفة إلى التخلص من سيطرة تنظيم «داعش» على مدينة الموصل، وغيرها من المناطق، لا تبدو لها نهاية سريعة، لكنها تحقق إنجازاً كبيراً، بخاصة أنه جرى تطهير العديد من المناطق، وتمكنت القوات العراقية من السيطرة على عدد من المواقع الحساسة، في شرقي وغربي الموصل، كان آخرها المطار والمجمع الحكومي، وإن كان عناصر التنظيم تعمدوا تدميرها.

السؤال الذي يطرح نفسه هو إن كانت هناك وسيلة مختلفة للتعاطي مع مرحلة ما بعد «داعش»، واحتواء تداعيات ما بعد الحرب، التي بلا شك ستترك آثاراً كبيرة في المجتمع العراقي، الذي دمرته الحروب منذ ثمانينات القرن الماضي، سواء مع إيران، التي استمرت ثماني سنوات، أو بعد احتلال العراق للكويت، وما نتج عنها من حرب الخليج، العام 1990، وأخيراً الاحتلال الأمريكي للعراق العام 2003، التي اعتبرت واحدة من أسوأ المحطات التي مر بها العراق في تاريخه الحديث، وأكثرها سواداً.

من الواضح أن القوات العراقية، المدعومة بالحشد الشعبي، إضافة إلى إيران، ستكون قادرة على إعادة ترتيب تموضعها على الأرض، فالنجاحات التي تتحقق على الأرض في الحرب على تنظيم «داعش» سيمنحها قوة إضافية للسيطرة على الأوضاع في البلاد ككل، وسيكون بمقدور الحكومة الحالية برئاسة حيدر العبادي، إعادة رسم الخريطة السياسية والاقتصادية والمجتمعية الممزقة منذ أكثر من 20 عاماً وجد فيها المواطن العراقي نفسه موزعاً بين الكتل السياسية والطوائف، ودفع ثمن ذلك الكثير من حريته واستقراره.

كيف يمكن مواجهة مرحلة ما بعد «داعش»، وهل لدى السلطات العراقية إدراك للخطر الذي يشكله تشتت «داعش» على أمن البلاد واستقرارها؟ بمعنى آخر هل لدى السلطات العراقية خطة لمعالجة آثار الانهيار المتوقع للتنظيم، وهل هناك قدرة على مواجهة مرحلة ما بعد «داعش»، واحتواء ما يمكن أن ينتج عن هذه الحرب التي قسمت العراقيين، وشردت أغلبيتهم، ولا يزالون حتى اليوم يدفعون ثمن صراعات الفرقاء السياسيين؟

من المهم الاستفادة من تجربة حرب أفغانستان في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، عندما تحول المجاهدون في الحرب إلى قنابل موقوتة في بلدانهم، وعوضاً عن احتوائهم عوملوا بطريقة لا احترافية في التعاطي مع القناعات الدينية، الأمر الذي أنشأ جماعات وتنظيمات متطرفة عرفت حينها بمنظمات الجهاد، التي وصلت بدورها فيما بعد إلى تشكيل تنظيم «القاعدة»، الذي أسسه أسامة بن لادن، وتحول التنظيم إلى كابوس يقض مضاجع الأمريكيين والأنظمة العربية، على السواء.

والخشية اليوم أن تتكرر أخطاء الماضي في التعاطي مع «القاعدة» في التعامل مع قضية «داعش»، إذ إن هناك الكثير من المقاتلين في صفوف التنظيم من الشباب صغار السن الذين أجبرتهم الظروف على الالتحاق بالتنظيم، من دون إدراك لمخطط كبير يراد به إدخال البلاد العربية والإسلامية في صراعات مستمرة ودامية، كما أن الأنظمة العربية فشلت في التعاطي مع المشكلات الاجتماعية للشباب، وتسببت سياساتها بدفع الناس إلى التطرف بعد أن وجدوا أنفسهم منبوذين وعاطلين عن العمل.