جون جابر 

قبل 12 عاما، كانت باريس مفضلة على نطاق واسع لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2012، إلا أن لندن نجحت في أن تخطف منها البطاقة، في نهاية المطاف. 


هذا كان جزئيا بسبب الضغط القوي من توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق من يسار الوسط، وجزئيا بسبب حملة العاصمة لتمييز نفسها باعتبارها مدينة حديثة وعالمية. "لندن سوف تلهم الأبطال يوم غد"، كان شعار الفيديو ضمن الدعاية للندن.
فكرت في هذا الشعار الذي ينعش المعنويات أثناء مشاهدة زعيم تكنوقراطي وسطي آخر يحتفل أمام مؤيديه الذين يحملون الأعلام يوم الأحد قبل الماضي، بعد فوزه بالجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في فرنسا. 
انتصار إيمانويل ماكرون، جنبا إلى جنب مع التصويت لخروج بريطانيا العام الماضي، قد عكس النتيجة: باريس هي الفائزة ولندن الخاسرة.
لا يزال على ماكرون الفوز بالجولة الثانية ضد مارين لوبن من حزب الجبهة الوطنية وبناء أغلبية برلمانية. حتى حينها، فإن رؤيته لمستقبل فرنسا - بالنظر إلى أنه كان من المؤكد أن فرنسا بلد منقسم على نفسه - قد لا تصبح حقيقة واقعة. مع ذلك، الفرصة بعد التصويت لخروج بريطانيا بالنسبة لفرنسا لتكون على مستوى لندن باعتبارها مركزا للنشاطات المالية والأعمال وروح المشاريع، هي فرصة حقيقية.
الدرس الأول من دورة الألعاب الأولمبية لعام 2012 هو أن الفائز يأخذ كل شيء. لقد كان انتصارا بفارق ضئيل وكان من الممكن أن يذهب بالاتجاه الآخر، كما كان كل من تصويت خروج بريطانيا والجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. 
بمجرد انتهاء الأمر، تترتب عليه عواقب. المليارات في الاستثمارات تدفقت إلى لندن، بشكل مباشر في الحديقة الأولمبية وبشكل غير مباشر في التجديد الحضري على حد سواء.
الدرس الثاني هو أن الأساطير يمكن أن يتولد منها الواقع. لندن كانت بالأصل مدينة أكثر تنوعا في عام 2005 مما كانت عليه قبل عقود، لكن صورة الانفتاح والشمولية التي روجتها للجنة الأولمبية الدولية أصبحت بمنزلة جاذبية أوسع لأصحاب المشاريع الأوروبيين. همست لهم "تعالوا هنا للبحث عن حظوظكم".
الدعوة نجحت بشكل أفضل مما كان يمكن أن يدرك أي شخص. أنا أعيش على بعد جولة بالدراجة الهوائية من الحديقة الأولمبية على الجانب الشرقي من لندن، وأنا محاط بالمهنيين الفرنسيين. لقد جاؤوا وبقوا لأسباب مختلفة: لندن هي المركز المالي لأوروبا؛ باريس على بعد رحلة قصيرة في القطار؛ كان قد تم الترحيب بهم ومنحهم وظائف.
الآن، يقف ماكرون أمامهم ويحثهم على العودة. يبدو مليئا بالحيوية والتفاؤل، من خلال تقديم فرنسا متجددة وباريس نابضة بالحياة. سيكون أكثر اهتماما بالذين تدعوهم تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية، "المواطنون الذين لا موطن لهم" من البلد الذي تبناه هؤلاء، الذي أصبح أقل ترحيبا منذ حزيران (يونيو) الماضي. لو أني في مكانهم، سأنظر إلى الأمر بعناية وجدية.
بعضهم، كما يقول ماثيو لين، صاحب مشاريع فرنسي يعيش في لندن الذي يقدم المشورة لماكرون، أخذوا منذ الآن يفكرون في الأمر. "سيكون مهووسا بالعثور على أفضل الحوافز والقواعد الجديدة لإغراء هؤلاء الناس. أنا أعرف الكثيرين الذين يعيشون هنا ويقولون، ’سوف ننتظر بضعة أعوام لنرى ما إذا كان يستطيع إنجاز الأمر. إذا استطاع تحقيق ذلك، عندها سوف ننتقل‘".
تأثير هالة ماكرون من المرجح أن يؤثر في أصحاب المشاريع ومؤسسي الشركات الناشئة، الذين يغلب عليهم منذ الآن مشاعر الرغبة في الحركة. بموجب أي اتفاق لخروج بريطانيا، سوف تحد المملكة المتحدة من حرية الانتقال بدلا من البقاء في السوق الموحدة. قد لا يكون من الصعب على الشركات الكبيرة الحصول على تأشيرات عمل للمديرين والمهنيين، لكن هذا سيجعل الحياة صعبة بالنسبة للشركات الجديدة والأصغر.
لا يزال مشهد روح المشاريع في باريس يتخلف عن المشهد في لندن، جزئيا بسبب قوة لندن الهائلة من حيث كونها مركزا ماليا: استثمارات مشاريع الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، كانت أعلى في المملكة المتحدة بأكثر من ثلاثة أضعاف مما هي في فرنسا في عام 2016. القدرة الكبيرة لتجنيد المواهب يمكن أن تغير التوازن.
يوجد الكثير لتبني عليه باريس. اعتاد سكان باريس أن يكونوا منعزلين، لكن المدينة الآن أكثر ودية، خاصة في الشرق. فهي حاصلة على تعليم جيد، ولا سيما في الرياضيات والعلوم: 44 في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عاما حاصلون على تعليم جامعي. كما تملك مرافق رائعة للشركات الناشئة، بما في ذلك ستيشن إف، وهو مجمع جديد مدعوم من كزافييه نيل، الملياردير في مجال الاتصالات.
أكبر فوز لباريس قد يكون أخذ مكان لندن باعتبارها أكبر مركز مالي في أوروبا، أو إذا فشلت في ذلك، تحقيق غزوات كبيرة على حساب هيمنة لندن. ماكرون، باعتباره مصرفيا سابقا في الخدمات الاستثمارية في بنك روتشايلد، من شأنه أن يستمتع بذلك، لكن الأمر يبقى بمنزلة تحد أصعب بكثير. يقول أحد المصرفيين الفرنسيين: "أنا أرى باريس بمنزلة منارة للتكنولوجيا وروح المشاريع أكثر مما هي للنشاطات المالية".
باريس تملك الكثير من الأرضية للتعويض عما ليس لديها، بما في ذلك حقيقة أن القطاع المالي الدولي، وقناعة أنجلو سكسونية بأسواق رأس المال بدلا من الخدمات المصرفية العالمية، راسخة فيها منذ قرون. 
المناظرات الرئاسية في فرنسا اشتملت على هجمات عنيفة على التمويلات الضخمة من اليسار واليمين، حيث كان ماكرون معزولا في الوسط.
مع ذلك، فإن انتخاب ماكرون المحتمل كان له تأثير. يعتقد أحد المصرفيين الإيطاليين أن جهود ميلانو لمنافسة باريس سوف تتلاشى - المزيد من الشركات الأوروبية سوف يغلب عليها الإدراج في باريس وليس لندن، في الوقت الذي تتباطأ فيه عوامل اللبس بشأن خروج بريطانيا. ماكرون حريص على تعزيز موقف متشدد من الاتحاد الأوروبي بخصوص قدرة الحي المالي في لندن على الاستفادة من السوق الموحدة.
النتيجة غير مؤكدة، لكن ماكرون حقق منذ الآن شيئا قريبا من حملة دورة الألعاب الأولمبية في لندن: لقد استولى على الاهتمام مع رسالة ترحيب. من بلد كانت تنبعث منه الشكوك يأتي الانفتاح، التي تملك قيمة نادرة. مؤسسته الناشئة، الحزب السياسي الذي أسسه، يتفوق على الأحزاب القائمة. تحت ولايته، باريس يمكن أن تلهم أبطال الغد.