جماعات الارهاب باتت محركا رئيسا للأحداث في ليبيا ومع ذلك لم يتحرك الغرب منذ مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي في هجوم طائرات حالف شمال الاطلسي على موكبه في العشرين من اكتوبر عام 2011 ، ظل الغرب صامتا طوال هذه السنوات وغض الطرف عن انتشار السلاح والجماعات الإرهابية ، بدأ الغرب يتدخل لتحقيق مصالح شخصية ، إيطاليا وفرنسا تريدان الفوز بنصيب الأسد من النفط والغاز، وتعزيز وجودهما في العمق الأفريقي ، وروسيا صاحبة النفوذ الأكبر في عهد القذافي ترغب في إعادة نفوذها وإن اختلفت أساليب كل دولة، لكن المؤكد أن هذا الأمر أسفر عن وجود حكومة فاقدة للشرعية في طرابلس برئاسة فايز السراج داخليا رغم الإعتراف الدولي بها، تتقوى حكومة السراج بميلشيات فجر ليبيا رئاسة "عمر الحاسي" ، وتجاهر بعدائها لحكومة طبرق برئاسة "عبد الله الثني"، بينما أصبجت مناطق واسعة من البلاد مرتعا للتنظيمات الإرهابية مثل داعش وأنصار الشريعة المدعومة بالمال والسلاح من قوى عالمية وإقليمية لنشر الفوضى في ليبيا وتهديد مصر .

من هنا جاء التحرك المصري مبكرا لدرء هذه الأخطار التي تهدد أمنها القومي، وحفاظا على وحدة التراب الليبي، آخر هذه التحركات إستضافة القاهرة ممثلين عن مختلف الأطراف الليبية في الثاني عشر والثالث عشر من ديسمبر 2016 ، بحضور الفريق محمود حجازي رئيس اركان القوات المسلحة وسامح شكري وزير الخارجية ، واتفق الحضور على أن اتفق الصخيرات الذي تم برعاية الأمم المتحدة يصلح لانهاء الانقسام الذي تعيشه ليبيا منذ 2014 بشرط إدخال بعض التعديلات التي تراعي وحدة التراب الليبي، ووحدة الجيش الوطني إلى جانب الشرطة للحفاظ على أمن وسيادة البلد، وعلى المؤسسات الليبية،واحترام سيادة القانون، وتطبيق مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ مبدأ التوافق، ورفض التدخل الأجنبي،والتأكيد على الحل بتوافق ليبي، وإعلاء المصلحة الوطنية، والمحافظة على مدنية الدولة.

 ومن بين مقترحات الحل تعديل لجنة الحوار بشكل يرعى التوازن الوطني، وتعديل الفقرة الأولى من البند الثاني من المادة الثامنة إتفاق الصخيرات من حيث إعادة النظر في تولي مهام القائد الأعلى للجيش الوطني، واستقلال المؤسسة العسكرية بعيدا عن التجاذبات السياسية ، واعادة النظر في تركيب مجلس الدولة ليضم أعضاء المؤتمر الوطني العام المنتخبين في يوليو 2012 وإعادة هيكل المجلس الرئاسي، وآلية اتخاذ القرار، وحدد المجتمعون موعد إسبوعين من تاريخ الاجتماع لمناقشة هذه المفترحات وتبني الحلول اللازمة ، ولتفعيل هذه المقترحات شهدت القاهرة نشاطا دبلوماسيا مكثفا ابرزه اجتماع رئيس مجلس النواب الليبي المستشار "عقيلة صالح" مع الرئيس "عبد الفتاح السيسي" واجتماع أعضاء مجلس النواب الليبي مع رئيس أركان القوات المسلحة الفريق "محمود حجازي" ووزير الخارجية "سامح شكري"، وهذا خير رد على ما يحاك لليبيا في الغرب. 

يعتقد الغرب وواشنطن وأطراف عربية أن بإمكانهم إقامة نظام حكم في ليبيا تحت مظلة الأمم المتحدة بعيدا عن مصالح مصر، الغرب يرغب في حكومة ليبية مناوئة لمصر،وتشكل تهديدا لحدودها الغربية، وتكون باعثا لاستنزافقدراتها ، ومن هذا المنطلق عُين المبعوث الأممي" ليوناردينو ليون" ثم " مارتن كوبلر" للقيام بهذا الدور، وثبت تورط "كوبلر" في زيارات مشبوهة لميلشيات إرهابية بهدف دعمها من ناحية وتكثيف الضغوط على اطراف ليبية للقبول بالحل الذي تريده واشنطن من ناحية آخرى.

مهام ملغومة ستنفجر على أرض الواقع، ولن يكتب لها النجاح لسبب بسيط ، وهو ادراك مصر لمسئولياتها تجاه الشقيقة ليبيا، وأن إقامة حكومة وحدة وطنية قابلة للاستمرار لا يمكن أن يتم بمعزل عن مصر والجوار الجغرافي لليبيا، وأعتقد أن الطريق الصحيح لنجاح مهمة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا "مارتن كوبلر" هو الاعتراف بأنه لا يعمل بحيادية وأن مصالح دول كبرى تحركه مثل قطعة الشطرنج، وأن ينصب الاهتمام الآن على القضاء على تنظيم داعش الإرهابي والميلشيات المتأسلمة التي تتلقي دعما سخيا من دول غربية وإقليمية وعربية مثل ميلشيات مصراته وابراهيم الجضران،والإخوان الشياطين ومن يدور في فلكهم ، وفضح السياسات الغربية في ليبيا وطرد الميلشيات المسلحة واخراجها من أي معادلة للحل ، ورفض مشاركتها في أي حوار وطني لا لشيء الا لأنها اداة من أدورات تنفيذ المؤامرة الصهيو أمريكية في المنطقة.

في المقابل يجب دعم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير "خليفة حفتر" التي تسيطر قواته على منطقة الهلال النفطي ، ورفع حظر السلاح عنى الجيش الليبي، والإفراج عن الاموال الليبية المجمدة لمواصلة معركته لتطهير ليبيا من الإرهابيين، وهذه القضية تمثل قضية أمن قومي مصرى وعربي لا يمكن تجاهله أو غض الطرف عنه.

الجامعة العربية التي غابت كثيرا عن ليبيا عينت التونسي "صلاح الدين الجمالي" مبعوثا لها إلى ليبيا، لكن القضية أكبر من تعيين مبعوث عربي، فما يحاك لهذا البلد النفطي تقشعر له الأبدان ، ولا يشغل بال الغرب سوى تأمين مصالحه في ليبيا ولو على حساب الشعب الليبي، لذا فالحل لابد أن يحدث بتوافق ليبي أولا بتحديد خريطة واضحة تنطلق من بيان القاهرة، تنهي حالة الإنقسام والفوضى الأمنية بعيدا عن جولات حوار جرت برعاية الأمم المتحدة في جنيف وغيرها، وثبت فشلها على الرغم من البيانات البليغة التي دونت على الورق ، بدأت الأمم المتحدة تستشعر محدودية اقتراحاتها لأنها ليست وسيطا نزيها، فباتت القاهرة وجهة مفضلة لمارتن كوبلر لمعرفة مقترحات مصر لحل الأزمة واخذ ما يوافق المصالح الغربية، في ظل غياب المبادرات العربية مثل تشكيل قوة ردع عربية للقضاء على الإرهاب في ليبيا والتي لم تجد أذانا صاغية لتضارب المصالح .

ويقيني أن مصر لن تقبل بسيطرة جماعات الإرهاب على مناطق ومدن كاملة داخل ليبيا ، لأن هدف هذه الجماعات تصعيد العدوان ضد مصر، مثلما حدث حدث في الوادي الجديد من اختراق للحدود، وقتل واحدا وعشرين من قوات حرس الحدود في يوليو 2014 ، هدف هذه الجماعات ومن يقف ورائها "جيش مصر" الذي قلب الطاولة وأوقف مشروع تدمير وتقسيم المنطقة بعد أن وقف إلى جانب الشعب المصري في ثورة الثلاثين من يونيو ضد حكم عصابة الإخوان المجرمين ، ولن يهدأ لمصر بال سوى بعودة ليبيا مستقرة آمنة وسط محيطها العربي والإفريقي والإسلامي ، ومن ثم حان الوقت للاتفاق بين الفرقاء ليكون عام 2017 هو عام التوافق مثلما حدث في لبنان والقضاء على الإرهاب في ليبيا، واستكمال بناء مؤسسات الدولة الليبية والجيش الوطني والشرطة والقضاء هو ما يوجب التحرك فورا قبل فوات الأوان.