&

انتهت في القاهرة مؤخراً جولة التفاهمات التى اجراها مارتن كوبلر المبعوث الدولي بين كل من فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي الليبي و صالح عقيلة رئيس مجلس النواب وشارك فيها مسئولين مصريين.. وتوجت بالاتفاق علي تشكيل حكومة وفاق وطني جديدة وبوعد أنها ستنال موافقة المجلس النيابي وفق مقتضيات الحوار المتواصل بين الطرفين ومتطلبات اتفاق الصخيرات..

واتفق كوبلر مع الرجلين علي عقد جولة ثانية في وقت لاحق عقب عودة السراج من نيويورك وإنتهاء عقيلة من مناقشة ما تم الاتفاق عليه مع مجموعته السياسية والامنية، واكد في مؤتمر صحفي تقدير المنظمة الدولية للدور الذي قامت وتقوم به الحكومة المصرية في هذا الخصوص.. ونوه إلي ثقة الأمين العام بان كي مون غير المحدودة في " قدرة مؤسساتها الدبلوماسية والسياسية والأمنية علي مواصلة العمل بإيجابية وفاعلية لتقريبب وجهات نظر الفرقاء الليبيون "..

تزامن مع هذه الخطوة حدثان علي جانب كبير من الاهمية..

* نشر التقرير الذي اصدرته لجنة الشئون الخارجية بمجلس العموم البريطاني يوم 14 سيتمبر الجاري حول الدور البريطاني فيما يقع بليبيا هذه الأونة..

* و إجماع عدد كبير من المحللين السياسيين والمعلقين الإستراتيجيين في عدد من العواصم الأوربية علي أن الوقت قد حيان لكي تكلف مصر بملف ليبيا لأسباب عديدة يأتي في مقدمتها الجوار الجغرافي والتقارب السكاني والعلاقات التاريخية..

تقرير لجنة الشئون الخارجية البريطانية، يقول:&

التدخل العسكري البريطاني / الفرنسي في ليبيا لم يَستند علي معلومات استخبارية دقيقة " بل علي إفتراضات خاطئة " وهو وان كان قد قضي حكم معمر القذافي إلا أنه " مهد الطريق لتواجد وتنامي تنظيم داعش في الشمال الافريقي ويسر له الانتقال إلي دول الجوار ".

ووصف التقرير الدور البريطاني علي وجه الخصوص بأنه " كان متهورا قصير الأمد، لذلك ليس من المستغرب أن يُدان ديفيد كاميرون سياسياً وحزبياً بكل المعايير " لأن حجم التهديدات التى اشار إليها مجلس العموم " كان مبالغاً فيها إلي حد كبير ".

وأكد أن التدخل الأوربي عن طريق حلف الناتو وإن كان يرتكز علي " دعوة اقليمية ممثلة في جامعة الدول العربية وافق عليها مجلس الأمن الدولية، إلا انه لم يحقق إلا نسبة ضئيلة من الهدف الذي حُدد له ".

وفند ان قيام نظام القذافي بمحاربة شعبه في مارس 2011 في أعقاب انتشار المظاهرات المنددة بحكمه بمدينة بنغازي، لم يمكن يستوجب محاربته بالغارات الجوية والصواريخ!! بل

كان يتطلب قبل ذلك القيام بإتصالات سياسية ودبلوماسية مكثفة " ولما تنتهي – هذه المحاولة - إلي لا شئ، يأتي دور العمل المسلح المؤسس علي حقائق فوق الأرض "..

أن البيت الأبيض علق علي مجمل التحرك البريطاني / الفرنسي بأنه " كانت مغامرة مزرية " ما كان لها ان تقع، وإستنكر عدم الإستعانة بالمعلومات التى كانت آنذاك في حوزة الأجهزة الأمنية الأمريكية قبل تنفيذ الهجمات العسكرية..

الأسوء من كل ذلك كما يقول التقرير، أن رئيس الوزراء البريطاني " لم يُبد إهتمام يذكر بالملف الليبي بعد تنفيذ خطوات التدخل العسكري فيه ".. كما أن أعضاء المجلس النيابي لم يتخذوا أي خطوة " لحماية ليبيا من الإنزلاق إلي مهالك الحرب الاهلية والفوضي والخراب التى جعلت بعض وسائل الاعلام البريطانية تصفها بـ " بصومال البحر المتوسط القادرة علي تهديد دول اوربا اذا قويت سواعدها الإرهابية "..

وصف جوناثان فريدلاند في مقال له بصحيفة الجارديان – 15 سبتمبر الجاري – قرار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في ليبيا بـ " الحماقة " واكد ان التاريخ " لن يكون رحيماً به، وان انتقاده سيكون قاسياً وعنيفاً "..

الجدير بالملاحظة هنا:

1 – ان مجلس العموم البريطاني وافق بأغلبية 557 صوت علي مذكرة رئيس الوزراء حول " ضروروات التدخل في ليبيا لحماية المدنيين في بنيغازي من المذبحة التى كان تعد لها قوات نظام حكم القذافي "..

2 – هذه الغالبية شملت اعضاء المجلس من المحافظين والعمال ما عدا 13 عضو من بعض أحزاب المعارضة كان من بينهم جيريمي كوربن رئيس حزب العمال الحالي..

3 – عضو المجلس كرسبن بلنت الذي ترأس اللجنة التي وضعت التقرير، كان من بين الأعضاء الذين وافقوا علي التدخل.

أما التحليلات الأوربية، فتؤكد في شبه الإجماع&أن تحرك الأطراف الليبية في الأسابيع الاخيرة سواء في سرت أو في الهلال النفطي أنتج تغير ملحوظ في الموازين والتفاهمات الأيديولوجية والسياسية، إدي إلي نشوء توازنات وتحالفات غير التى كانت قائمة منذ بضعة أشهر.

أن الدولة المصرية هي وحدها القادرة علي إعادة الإستقرار لليبيا بالتدريج بحكم الجوار الجغرافي من ناحية وعلاقات المصاهرة التى تجمع بين عدد من قبائلها والعشائر الليبية من ناحية ثانية وثقة معظم الاطراف المؤثرة في الساحة في قدرتها علي التوفيق وعلي ضبط الإيقاع فيما بينها من ناحية ثالثة.

ان الدولة المصرية ليست لها أطماع في الوطن الليبي وليس من مفرداتها تصيد الأخطاء، بل تُعد في ضوء تجاربها السابقة من القوي العربية الساعية إلي اقامة توازنات لمصلحة مختلف القوي الوطنية القادرة علي تخطي الإشكاليات المحلية لمصلحة الوطن العليا.

أن الزيارات التى دأبت اطراف ليبية، منذ فترة، علي القيام بها لمقابلة كبار المسئولين السياسيين والأمنيين في القاهرة، كانت في مجملها ناجحة وساهمت في إقناع الكثير منهم

بخفض سقف طموحاته، ومن هنا جاء القبول بان تشرف لجنة من الجامعة العربية علي عملية التصويت التى سيجريها البرلمان الليبي في طبرق عند التصويت علي طرح الثقة بالمجلس الرئاسي والحكومة الجديدة..

أن عدد من الأطراف الدولية الفاعلة تخطط مع القاهرة لإحداث نوع من القبول بين القوي الأكثر تأثيراً في كل من طبرق وطرابلس وسرت بهدف إقامة كيانات ليبية متجانسة علي مستوي البرلمان الليبي والقيادة العامة للقوات السملحة وحكومة الإنقاذ الوطني والمجلس الرئاسي، تعمل من خلال الوسيط الدولي بهدف حماية المدنيين و خلق نقاط تلاقي حل إصلاح النظام ومؤسساته أو إستبداله بآخر يسير تحت قيادة رئاسية جماعية متوافق عليها..

نقول:&لم تؤد الملاحظات التى وردت في التقرير البريطاني الذي نشر منذ ثلاثة أعوام باسم " تقرير تشيلكوت " حول الحرب في العراق خاصة ما وصف بانه " معلومات مغلوطة " اعتمد عليها رئيس الوزراء الاسبق توني بلير في تبرير دخوله تلك الحرب " غير المبررة " إلي جانب الولايات المتحدة، إلي اصلاح الأوضاع التي لا زالت متردية في العراق ولم تتعلم لندن من اخطائها وسارت في نفس درب الحماقة وهي تخطط للتدخل في ليبيا..

فهل تتمكن القاهرة من اصلاح ما أفسده العطار الأوربي علي مستوي الملف الليبي؟

ونقول&ان مظاهر هزيمة تنظيم داعش في سرت وفي غيرها من المدن الليبية تشير إلي إمكانية فرار من بقي من كوادره الإرهابية إلي دول الجوار وفي مقدمتها مصر، من هنا جاء حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي علي شرح وجهة النظر المصرية فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب سواء ضمن خطاباته أمام اللجان الأممية المتخصصة و الجمعية العامة أو ضمن لقاءاته المتعددة مع الزعامات الدولية، علي شرح النقاط التالية..

1 – جماعية المحاصرة لكافة اشكال التنظيمات الإرهابية المهددة للإستقرار والأمن المحلي الإقليمي والعالمي..

2 – حتمية التخطيط الجماعي القائم علي قطع التمويل المالي والمعنوي عنها بلا إستثناء..

3 – الرفض التام لإستخدام الميليشيات / المرتزقة الإرهابية تحت أي ستار سياسي..

4 – العمل الجماعي الدولي علي ايجاد صيغ متنوعة للتنمية والمستدامة والعدالة الاجتماعية..

وأخيرا نؤكد أن&العديد من التوقعات تتنبأ أن تقود هذه الروشتة إلي علاج مصري ناجح للمشكلة الليبية التي خلقتها وتسببت فيها أساليب العطارة السامة الأوربية، وربما تصبح نموذجاً يحتذي به في مواطن أخري تعاني من نفس الإشتعال الذي تستغله المنظمات الإرهابية لتأسيس ملاذ آمنة لها وبناء منصات انطلاق إلي مناطق أخري مستقرة وآمنة..

&

[email protected]