أرسل لي صديق عراقي قصاصة من جريدة عراقية صادرة عام 1963. يقول خبر نشر فيها إن رئيس الوزراء العراقي, الفريق طاهر يحي, يزور الإمارات العربية المتحدة لمساعدتها في مشاريعها الصحية والثقافية والإجتماعية.

فقط منذ سنوات, العراق يساعد الإمارات. اليوم أصبح الوضع معكوسا. الإمارات تساعد العالم كله, والعراق غارق في آلامه. أبناء الإمارات اخلصوا واجتهدوا, فوصلوا وما زالوا يتقدمون. العراقيون ينتحبون. ناقوس يصرع آذاننا لما آل إليه حالك يا عراق. كنت يوما قبلة الثقافة والعلم, ها أنت اليوم, ممزق, مدمي, كرجل يحتضر على قارعة طريق. يتخيل إلي وأنا اسمع الأخبار الواردة من العراق أن جهنم هناك.

لست عراقيا, وهو شرف لو كنت كذلك. لست أيضا شابا ولا عجوزا,لكني أذكر كيف كان الأدب العراقي, والتاريخ العراقي, والتطور العراقي, يذهل العالم. أذكر الدكتور جعفر ضياء, أب القنبلة النووية العراقية. أذكر صديقي الشاعر كريم العراقي الذي تغزل ببغداد حاضرة العرب في قصيدته "كثر الحديث عن التي أهواها". اذكر كيف هي شوارع البصرة والموصل, أنيقة, نظيفة, رحبة, وأكثر العالم العربي ما يزال يبني أزقته الصغيرة وبيوته المتواضعة. أذكر عموبابا, وناظم الغزالي, والجواهري والسياب, فيما العالم العربي يتلمس وجهه, يبحث عن هويته ومن يكون.

ماذا حدث لك يا عراق؟ ومن أوصلك إلى ما أنت عليه اليوم؟

الرئيس الأحمق بوش فعل فعلته. الإيرانيون ساهموا بدورهم. تركيا والأكراد وبعض الخليج كان لهم نصيب أيضا. لكن المدان الأول والرئيسي هم العراقيون أنفسهم. هم من دمر العراق. كما السوريون اليوم يدمرون سوريا. عندما أدخل العراقيون الغرباء الى أرضهم,سمحوا لفأس حاد أن يشطرهم. لولا تطرف العراق الشيعي, ما تدخل الخليج السني, ولولا تطرف العراق السني, ما تدخل الإيرانالشيعي.

كل طوائف العراق دمرت العراق. ومن يهدم بناءً, بقصد أو دون قصد, وحده يتحمل المسؤولية, وعليه أن يعيد البناء كما كان. إن انتظر العراقيون أن يأتي غريب أخر يبني ما دمروه, فالغريب هو من جعل العراق ميدان معركته, وآخر همه ما يؤل إليه حاله. العراقيون المنتحبون في الخارج يجب ان يكفوا عن عويلهم. سنة وشيعة, مسيحيون وأيزديون وصابئة. كلهم, بلا استثناء, عليهم ان يكفوا عن النحيب, ويوقفوا اللطم والندب وينظروا إلى ما هو آت لا كان يا ما كان. كعراقي بالعشق, لا بالهوية, سأضيف وأقول إن الطريق واضح: على العراق أن يكون علمانيا. لا مناص ان يكون علمانيا. فقد كان دوما كذلك وإن لم يعلنه في دستور. عراق سني بقوانينه هو خطأ. عراق شيعي خطأ. عراق مسيحي خطأ. عراقايجمع كل هؤلاء وغيرهم, هو الذي نريده ان يكون. أسدا, دوما.. كما كان.

 

هاني نقشبندي

[email protected]