يجتاز العراق أخطر مرحلة وجودية في تاريخه الحديث، إذ تتآصرالتأثيرات الخارجية مع العوامل الداخلية في تشكيل أساليب غريبة واستثنائية بطاقتها الإنتقامية من كل ما ينبض باستمرار الحياة وديمومتها أو يبعث على السلام والإستقرار والبناء.

هجمات متوالية من غزوات وإحتلالات عسكرية وسياسية وثقافية، تأتي بالمزيد من التشوهات النفسية والإنقلابات الأخلاقية، مايخلع على الوطن العراقي صفات الإغتراب واللامعقول في كل شيء، بمعنى آخر أنها تشكل سلوكيات غرائبية لقتل العراق القديم واستحداث ساحة كونية لصراعات واقتتال وتصادمات تتجمع في هذا المنخفض الجيوسياسي المتاح للجميع ...!

 

لقد ضربت بعنف وأْسقطت قواعد بناء الدولة – الإنسان ، والتي تصطحب معها سقوطا ً تلقائيا ً لثوابت البنية الإجتماعية والثقافية والأخلاقية، وأهم تلك القواعد هي سلطة القانون والتربية والقضاء ومجموع الأعراف النافعة، هذه الكيانات المعنوية تشكل قوة الدفاع الذاتي للمجتمع حين يتعرض لتحديات وهزات عنيفة ومصيرية من الخارج أو الداخل، وفي لحظة تاريخية للقاء سوء الأقدار وتراكمها وتكاملها في مشروع الهدم للعراق التاريخي، جاء وجود طبقة سياسية يكاد الفساد يشمل غالبيتها، فساد في الوعي والتكوين الوطني وشراهة البنية النفسية وإنكفائها على ذاتها الطائفية، أوتشتغل وفق منظومة إشارية من هذه الدولة الأقليمية أو الكبرى، وكأنهم موظفون لديها تحت مسميات ومناصب عراقية "سيادية ".!

 

أنساق متنافرة في هيكليات ومسميات لدولة بلا دولة أعطت نتائج سريعة في شلل صناعي وتراجع خطير في الزراعة ومشاريع الري وثروات المياه وإنهيارات متسلسلة لقطاعات التجارة والصحة والعمل والإستثمار والتنمية، حتى أصبحت البلاد تنوء بحمل نحو مليوني عاطل عن العمل، يقابلهم نفس العدد من الأرامل والأيتام في حصاد 14 سنة من حرب إبادة يومية مع الإرهاب وداعش والجريمة يتكبدها المواطن الأعزل، الى جانب معارك واسعة النطاق لقطعات الجيش والشرطة والحشد الشعبي لطرد داعش من أرض العراق .

أزمة كبيرة ومتداخلة بنيويا ً، ومن الصعوبة بمكان وضع الحلول لها ، كونها تخضع لقرارات من خارج الملعب العراقي الذي يراد له ان يشهد صراعات متكافئة في الموت المتبادل والخسائر المتعادلة، بما يجعل الأمور تتناسب مع القوى الأقليمية التي تتنافس على ابنتلاع العراق أو تدميره وتفتيت وحدته الجغرافية بعد أن حاصروا وحدته المواطنية .

السؤال الباحث عن كيفية الخلاص أو الخروج من هذا النفق المهلك، يقترح جملة عوامل وطنية في الداخل العراقي، دون تكلفة تذكر، وأهمها إصطفاف وطني يقوم على مشتركات المصالح العليا للوطن والمواطن، والمباشرة ببرامج إصلاح سياسي ومكافحة عملية للفساد بإعتماد أنظمة إدارية حديثة ، ووضع مشروع بناء دولة الأنسان الجديد، ومشاركته ببناء يعيد مقومات الدولة الحديثة وآفاقها في قوة القانون التنفيذية وعدالة القضاء، وتنمية مستدامة لكل قواعد الإنتاج والتقدم في الصناعة والزراعة والصحة والتعليم والخدمات وتكافؤ الفرص بين العراقيين جميعا ً بلا فوارق طائفية أو عنصرية.