المصلحة الشخصية والحزبية وفقدان الثقة بين القوى الكردستانية أدى الى حدوث ليلة كارثية في تاريخ الشعب الكردي ، ليلة دخول الحرس الثوري الايراني الى قلب عاصمة دولة كردستان الكبرى كركوك في 16-10-2017 والبدء بتشويه مقدسات الكرد من خلال حرق الاعلام والتعدي على حرمة المدنيين ، وبقراءة واقعية لما جرى فان كل ما أثير على الاعلام بان هناك خيانة كردية وما الى ذلك غير دقيق بمعناه ، فالحقيقة المطلقة ان غالبية من القيادة السياسية للاتحاد الوطني الكردستاني وقعت في مصيدة نظام الملالي من خلال اغرائها بسلطة مشتركة مع بغداد ضمن المناطق التي تقع تحت سيطرتها بدءاً من السليمانية وكركوك وحلبجة والخروج من غطاء اقليم كردستان تحت رعاية الرئيس مسعود البرزاني او كما يقال لهم الخروج من حكم العائلة البرزانية ، وبما أنه كان انسحاب للاتحاد الوطني من الاتفاق المبرم مع الاحزاب الكردستانية سراً يحق لتلك الاحزاب تسمية ذاك الانسحاب بالمصطلح المناسب ، وبهذه الوقائع ما جرى يدل على أن الاتحاد الوطني ما زال بحاجة الى الكثير لتعلم السياسة ، وعلى ما يبدو محاولته بممارسة هذه المهنة افقدته نوعا ما الشعور القومي نتيجة ذهابه الى ابرام اتفاق مع الحكومة المركزية وعدم تمكنه من ابرام اتفاق متين مع الحزب الديمقراطي الكردستاني ، فالسياسية مهنة كارثية لمن لا يستطيع ممارستها ، وهي مليئة بالخدع والمراوغه وممارسة الكومبارس بدلاً من لعب دور البطولة ، وهذا ما جرى بالضبط من خلال القراءة النقدية والتحليلية لما حدث ، فقد توهمت القيادة في السليمانية وبغض النظر عن اراء متناقضة بين قيادات الحزب بأن الانسحاب سيحقق مكاسب لها في المستقبل للتحكم والسيطرة على كركوك وجميع ابار النفط مناصفة بينها وبين بغداد ، ووقعت في المصيدة وكان الهدف من الدعم الايراني لهم هو تفتيت البيت الكردي وإعادة الاقتتال المشؤوم بين الحزبين وبالتالي القضاء على أي حلم كردي لاعلان الاستقلال . 

من حيث مجريات الاحداث وتطورها فيما بعد ، فأن قرار بغداد بانسحاب ميليشيات الحشد الشعبي من جميع المناطق المتنازع عليها هو في الحقيقة قرار من الحزب صاحب الاتفاق مع بغداد لتخفيف الضغط الشعبي الذي تعرض له واظهار طابع للشعب الكردي بانه يتحكم بزمام الامورولم يتخلى عن كردستانية كركوك ، في حين لبت بغداد طلبه ولكن ليس لتنفيذ رغبته بل لاشعال فتيل الفتنة من جديد بين الحزبين بحيث انه اصبح ينادي للقيادة الكردستانيه ها هي كركوك فليأتي الحزب 

الاقوى والمسيطر اكثر للبقاء فيه ومشاركتنا ، لكن حكمة الرئيس البرزاني وادراكه للمؤامرة الخارجية كانا سد منيع مرة اخرى لمنع الفتنة بين ابناء القومية الواحدة ، وفرض قوته من جديد من خلال إدارته للازمة التي حصلت واصبحت واقعا لا مفر منه ، فبعد ان اصبح العودة للانتشار لما قبل 2014 ومحاربة تنظيم داعش الارهابي قراراً امميا ملزماً لبغداد واربيل برعاية الامم المتحدة تدخلت اربيل ومن منطق الحق والشرعية بتنفيذ هذا القرار بالتنسيق والتراضي ، وليس كما حصل عشوائيا وعدوانياً الامر الذي كاد ان يؤدي الى حرب اهليه ، وبالفعل بدأت ميليشيات الحشد الشعبي بالخروج والبدء بتنفيذ القرار ، وهذا ما سيحصل في الايام القادمة ، تنسيق بين اربيل وبغداد لابعادهم عن جميع المناطق المتوترة ، وما هو مطلوب من الشعب الكردي رص الصفوف والعودة للوحدة وبناء الثقة قبل كل شيء لان المرحلة باتت الان تحدد معركة البقاء ضمن سقف الاستقلال او البقاء تحت عباءة ايران المتمثلة بحكومة بغداد ، وهناك قرار حاسم ومصيري بيد رئاسة الاقليم وهو في غاية الصعوبة ويتمحور بنقطتين : الاولى كيفية ترميم الثقة في صفوف قوات البيشمركة الموالية للحزبين وتحديد أي قوة منها تستقر في كركوك والمناطق الحساسه لتفادي تكرار ما حصل ، والثانية هو اصدار الرئيس مسعود البرزاني قرار حاسم بعد خروج الميليشيات الشيعية بعدم تنفيذ الاتفاق مع بغداد ومنع دخول الشرطة الاتحادية والجيش العراقي الى المناطق المتنازع عليها الا بعد الحوار على نتائج الاستفتاء ، وهذا القرار تاريخي ومصيري وله نتائج ، لكن مهما حصل لن تقوم أي قوة خارجية بضرب الاقليم لتنفيذ القرار وسيبقى الوضع على ما هو عليه الا حين الفوز بورقة الاستفتاء ، فمنذ مئة عام والكرد تحت سقف القانون الدولي وقانون الدول الغاصبة لحقوقهم ودون أي فائدة او تقدير من أحد .