بتاريخ 30 ديسمبر من عام 2013 كتبت مقالا ونشر على موقع (ايلاف) بعنوان (العلاقات العراقية-السعودية والخيارات الممكنة)، دعوت فيه قيادات البلدين أن يغلبا لغة المصالح على الخطاب الطائفي في علاقتهما مع بعضهما، وتعرضت حينها الى إنتقادات من كثير من الأصدقاء ممن حشر في دهليز الطائفية فلم يعد يرى الآخر إلا بما يمثله طائفيا أو قوميا، وهي نظرة كنت أراها قاصرة في إعتمادها معيارا يمكن أن يحدد خيارات أي دولة في علاقتها مع باقي دول العالم. وكانت رؤيتي تتمحور حول إن الطائفة عابرة للحدود ولذا فإن إمتدادات الخطاب الطائفي الذي إتسمت به السياسة العراقية زمن الحكومات السابقة داخليا وخارجيا وردود الأفعال الخارجية التي جاءت إنعكاسا لتلك السياسة سيؤدي ألى إرتدادات غير منضبطة عابرة بدورها للحدود، وستكون جميع الأطراف خاسرة وأولها العراق وهذا ما حدث لاحقا. لكن ثمة من سمع النصيحة وعمل بهدوء ودون ضجيج واضواء ساطعة على إيصال هذا الرأي الى بعض الأشخاص المؤثرين في القرار السياسي في المملكة وبدأ بالعمل على إقناعهم بتغليب لغة المصالح بين البلدين على ما سواها من أمور لا تصب في صالح اي منهما، وهذا الشخص هو الصديق الشيخ جواد علوان النايف الذي تربطه علاقات واسعة مع بعض أمراء المملكة كونه من أصول سعودية أصلا، لكنه كان يفتقر إلى ما يوازيها من علاقات في الجانب العراقي رغم إنه عراقي الجنسية والسكن ومن عائلة معروفة ومرموقه، لكنه لم يكن ولا يحبذ الإنتماء لأي من الأحزاب الممسكة بالسلطة في العراق وقتها، وقد عرض حينها فكرة، كنت -ولا أزال- أراها صائبة وتفيد العراق جدا، وهي إمكانية فتح خط إنبوب النفط العراقي المار عبر أراضي المملكة الى ميناء ينبع السعودي دون الحاجة الى إنشاء خط أنبوب جديد عبر الأردن، كلفته التخمينية الأولية تتجاوز الخمسة عشر مليار دولار، بينما لا يخسر العراق شيئا في حالة تجديد الإنبوب المار عبر المملكة العربية السعودية لأن كل الكلفة سيتحملها مستثمرون من المملكة سيضيفون عمولة على كل برميل تساوي اقل من نصف كلفة نقل النفط بناقلات النفط العملاقة الى نفس ميناء ينبع، وسيباع النفط العراقي حينها وفق سلة البحر الأحمر الأعلى-وقتها- بخمسة دولارات عن سلة الخليج العربي لكل برميل نفط!
ورغم الإخفاقات الكبيرة التي مر بها، ورغم عدم وجود من يصغي اليه في الجانب العراقي، والتي كان يبوح لي في بعض الأحيان عن إحباطاته بيأس من إمكانية أن يسود المنطق علاقات البلدين،كنت أجد صعوبة بالغة في إقناعه بأن الزمن كفيل بإيصال الجميع الى ما نؤمن به،إستمر الشيخ جواد بالعمل على إيجاد بل خلق ما يمكن أن يكون قاعدة للبناء عليها، وأثمرت جهوده في نهاية عام 2016 على فتح معبر جميمة بين البلدين، قبل زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الى العراق في شباط من عام 2017 بثلاثة أشهر، وبعد سنتين من فتح السفارة السعودية في العراق التي أخفق سفيرها السابق ثامر السبهان في تطوير العلاقات بين البلدين ورفعها الى مستوى أعلى بسبب تغليبه الخطاب السياسي على المصالح الإقتصادية التي من المفترض إن السياسة تسعى لتحقيقها وتطويرها وليس العكس. كان من الممكن أن تتطور علاقات البلدين بطريقة إيجابية وبوتيرة أسرع منذ ذلك الوقت لوكان ثمة من يغلب لغة المصالح على لغة السياسة المستندة على البعد الطائفي في الخطاب والسلوك في مواقع المسؤولية في البلدين الأمر الذي إستطعنا –بصعوبة بالغة- تعويضه بالعمل الإجتماعي بين أشخاص من كلا البلدين لا يجمعهم غير هدف الوصول بعلاقات البلدين الى حالتها الطبيعية.