" نأتي الى الدنيا سواسية وتفرّقنا أحزاب "
بعد كل هولات السقوط الأخلاقي لأحزاب الخراب العراقية ، لم تفتأ ولم تتلكأ أحزاب ومليشيات وتكتلات وأحلاف وحركات من التطلع مجدداً وبصلافة الى تشكيل أحلاف وتجديدها لقوى حزبية تجيد التحايل والتأمر والقتل الإجرامي مادام الغرض الوصول الى نفوذ السلطة والمال بمنظور الحزب ومايرافقه من تطبيق منهج عقائدي خارج عن الأعراف الحزبية المعروفة في العالم . ورغم ماأصاب العراق من دمار وإنهيار مجتمعي ثقافي وعلمي، تتبارى في مضمار الأحزاب اليوم شخصيات وبإنتماءات مختلفة ، متبعة كل الوسائل الدنيئة الخبيثة الملوثة بالأمراض الأجتماعية في هدف الوصول الى غاية مهما غلى الثمن ومهما رافق ذلك الهدف من بطش وهمجية وقتل .
نسأل من سيوقظنا من النوم ؟ من يوقظنا لنرى القتل المنهجي الذي إتبعته الأحزاب الأسلامية والعقائدية القومية والمذهبية ؟ كل الأحزاب العراقية المخربة تدعو "اللهم" كإستحقاق مشروع ( اللهم أنصرنا على القوم الكافرين ، اللهم كن عوناً ونصيرأ لأهلنا . اللهم إشفي كل مريض وجريح ومصاب ومشرد . اللهم عجل فقد ضاقت بنا السبل . اللهم وفر لنا مساعدات الدول ومساعداتهم لإنقاذ المدنيين العزل من الأباء والأمهات والأطفال ) . من هو هذا الآله الوهمي الذي يناشدونه ؟ هل يعتقدون ان الله عملة بوجهين يلتقط من يشاء وينبذ من يشاء ؟
ياشرفاء الأمة ، ويا أخيار الناس . أوصلوا أصواتكم وناشدوهم بأن الله هو أرحم الراحمين.والدمار والخراب الذي تم هو من عملهم وبأيديهم وتلوث أفكارهم المعوجة وتحجرها بعقولكم . وادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (الأعراف:55 ) .
ومن يوقظنا من نوبة ووتيرة القيادة لهذه الأحزاب وصيغها الحزبية وتاريخ جرائمها منذ ستينات القرن الماضي ولحد اليوم ، سيجد بسهولة أنها جعلت العراق ينتقل من الحضيض الى الحضيض ومازال القادة الجدد يتبارون من نفس الخندق القومي والطائفي والأثني والمناطقي بكلمات الله وتتملكهم روح الصراع والصدام والحرب والنزاع في عمل أضاع الخصوصية العراقية .
تطلّع معي وذكّرهم وشدّد على تذكيرهم بالعهود الزمنية المظلمة من ستينات القرن الماضي ، ومن عهود الخراب بوقوع مصير أهل العراق بيد حزب من " لملوم " كاظم كزار و قصر النهاية ومعاناة سجناء الحزب أنفسهم والبطش بهم بوحشية لاتوصف . وذكّرهم بشوفينية صدام ولملوم عشيرته وإعدامه لرفاق حزبه المسلمين بعد اجتماع قاعة الخلد ، وذكّرهم بمقابر القتل الجماعي للشيعة في الجنوب وسادية الأنفال في كردستان العراق ، كي يتعرفون على أبشع مامر به شعب العراق من سادية سيادة حزب طالت إغتيالاته بلا إستثناء ، كل قومياته وطوائفه ولم تُذرف دمعة حزن منهم على ماإرتكبوه من قتل .
خذ كمثال أشخاص لايمتلكون الرؤية السياسية كما نراهم وندرس نظرياتهم ، وهم يتدارسون ويتجسسون على بعضهم في عواصم العالم شؤون العراق ، نتائج انتخاباتهم التي افرزتحصولهم على أصوات قوى أجنبية شاركتهم الفرز خارج العراق وتحديداً في اسطنبول .
ومع الأسف عقول اغلبية أحزاب متأزمة ورؤيتها تراها كذلك في تصريح أياد علاوي حزبي بعثي سابق وحزبي حالي"لكتلته العراقية " والمعروف بولائه لدول الخارج ، ويقول ( ليس من المعقول أن تبقى الأمور بهذا الشكل، ولا بد من ترتيبها، تحدثت مع كل الأطراف، وقلت إن العراق شهد فرصتين، الأولى في عام 2010، وهي السماح "لكتلته " بأن تشكل حكومة ولو حصل لما كانت الأمور كما هي عليه الآن). والآن فرصة ثانية مقبلة وهي في فترة ما بعد داعش والقضاء عليها عسكريًا، وهذه هي الفرصة الأنسب، وإذا فوّتنا هذه الفرصة كما فاتت التي سبقتها، فإن العراق سيسير باتجاه الخراب ). ويضيف (ما أقصده هو القضاء على داعش عسكريًا، وهذا أمر وشيك، أما القضاء عليه سياسيًا، فإن هذا الأمر يتطلب وقتًا) .
وعلى نفس المنوال الحزبي المتأزم ومصيرنا ومصيرهم بقيادات من عقول اغلبية أحزاب متأزمة حمقاء التصرف ، تجد أحزاب مخربة أخرى لها مخابراتها الخاصة وتجسسها على أحزاب مخربة أخرى و جعلتهم في طبق واحد في حرية الفكر والعقيدة الأجرامية والتلويح بمبدأ القتل وأبعدتهم عن سياسة توطيد السلام والوحدة والمحبة للوطن الواحد . فعند الوقوف لسماع مجموعات في السلطة "النجيفي والصدر والمالكي والبارزانيوالمطلك والخنجر والعيساوي ومن هرب الى تركيا والأردن ودول الخليج " وتقيّيم أفكارهم وتفسير قاموسهم السياسي والمجتمعي وهم يجتمعون ويتفاوضون فيما بينهم ومع دول أجنبية، تجد نفس النغمة المحببة وبأنهم جميعاً وبعد عقود من الزمن ، لهم النوايا الطيبة الحسنة لإتخاذ إجراءات واضحة محددة تهدف إلى إصلاح الأوضاع بشكل جذري بعيدًا عن المحاصصة والطائفية والإقصاء وهاجس المؤمرات الأقليمية .
مامغزى قتال الأحزاب القومية الكردية ؟ القائد العام لقوات حزب العمال الكردستاني اليساريPKK في شنكال ، نفى نية حزبه وقف القتال ضد قوات البيشمركة، قائلا :أن" المعارك ستبدأ مرة ثانية وستكون كبيرة " داعيا بغداد للمساعدة في مقاتلة قوات البيشمركة والحفاظ على عراقيتهم،كماقال.
أنها الرؤية الحزبية والتأزم الفكري وإنعدام الثقة بين المواطن والاحزاب التي لايرافقها أي تطبيقللحياة السلمية وإستمرار مخابراتها في التجسس والقتل المنهجي المتبع من كل الأطراف الحزبية النزعة .
ليس بإمكاننا تغيير الماضي ومن ساهم في وضع أحدنا في الجنة و وضعَ الآخر في النار ولا بإمكاننا تغيير من حوّلَ الكنائس والأديرة والمساجد ودور العبادة الى ركام ودمار ومن عبث بممتلكات الناس وأستعبدهم قبل قطع الرؤوس وسفح الدماء بمشروع ( اللهم أنصرنا على القوم الكافرين). فقد باعدوا بالأسس الموضوعة التي إنبثق بها فجر الأسىلام وغيّروا رسالة الرسول والقرآن وباركوا وأباحوا أقوال الصحيح البخاري " وباركنا لكم بول البعير " ، ومازالو يباركون أقوال بن لادن والظواهري والبغدادي . ويهتفون " وبالروح ، بالدم ، نفديك يا صدام " المؤيدة للزعامات الدكتاتورية الجديدة حتى لو كانت الرسالة إراقة دماء المعارضين من بينهم . أليس من الظلم تعليم أجيال من الشباب على مناهج دموية إبتكرتها تعاليم الحزبية و تطبيقها في مناهج حزبية تبدأ بأحقية القتل وضرورة القصف بموادكيمياوية وغاز السيانيد القاتل ومقابر جماعية ؟ وكيف تخرج من قريحة إنسان مؤمن قتل انسان لآخر بأمر من مستتر وراء قومية فاشية أو مختفي وراء دين أو عنصر ؟
و تعاد المأساة من جديد بنفس صور من "يحملُون وباء القتل المذهبي" المكلفين به من الله حسب أقوالهم ، سواء وصل الوباء من فلول القاعدة وبن لادن والضواهري أو مابشرنا وحمله لنا ألبغدادي وفلول أدعياء الخلافة الأسلامية . فالجميع في نفس التخندق الطائفي والأثني والمناطقي والكذب والقبول بالدعوة العجولة التي كلفهم وأوحى لهم بها الله للقتل والذبح والحرق والأنقضاض على الكفار للوصول الى أبواب الجنة الموعودة
كنا نظن أن العراق ودّعَ أحزاب الفتن ودورها التخريبي الذي مارسته منذ عهود ، لنجد الآن الوجه الجديد في حرفة القتل المنهجي المظلم والمتبع بين احزاب الخراب العراقية حيث إستحدثت لوحة سياسية على شكل إنفتاح دولي وإقليمي مخيف بتعددية الأحزاب ورونقة الشعارات وصورالتجميل المزيفة للخدمات ، وبعضهم يجلسون في مجلس النواب وكأنهم معارضة للفساد بتحريك أوراق سياسية ويسرقون علناً ويطالبون بالنزاهة والأمانة من الآخرين وتمرّير مقترحات ومقترحات وتعاد بفقرات لمقترحات متناسين سرقاتهم وتلوثهم بسنوات الاحباط والفشل والوضع المتردي الذي فرضته العقوبات الدولية على حياة المواطنين والفساد المستشري في مفاصل الدولة وتسببهم في الأنهيار النفسي المجتمعي بحيث اصبح خطر فساد أحزاب الخراب مضاعفاً وإجتماعتهم التأمرية في الخارج أكثر خطورة .
لماذا نقبل كشعب بعصابات حزبية إرهابية قمعية دموية كي تستمر وتصبح كوصمة عار في جبين الأنسانية ؟ وهل هناك فرصة مقبلة لتصحيح الأوضاع ورفض هذه الأحزاب ونهجها؟
لاتوجد مؤامرة كبرى أو صغرى تحاك ضد أهل العراق إلا بمشاركة أحزاب خانت مسؤوليتها وتخلت عن شعبها ، وشاركت بضياع السلام والأمن وأسهمت وأحلّت العنف والسلاح . العراقيون يؤيدون مبدأ التحالف الوطني لمسيرة الدولة ديمقراطياً وشعبياً وبخدمات حقيقية ويرفضون أولاً وآخراً أحزاب الخراب والتحزب الوظيفي ونبذالشريحة المتحكمة المتنازلة الخضوعة للأجنبي والقوى الخارجية.
فأين الثرى من الثرية ومفاصل السلطة فيها الكثير من المتنفذين المتشبثين بها ولايبدو أن لديهم الأستعداد لتقديم أي تنازل من أجل فسح المجال لقوى اخرى تتولى زمام الامور او تتصدى للشأن العام وفك الحصار عن الشعب بعد الأنهيار البنيوي والأخلاقي والأفلاس المالي نتيجةحروبهم العبثية والقتل الممنهج والتضحيةبقرابة مليوني عراقي ونزوح وتشريد أكثر من ثلاثة ملايين نسمة والأف من الأطفال وابائهم وأمهاتهم يعيشون تحت خيمة الوطن المقسم . هذا الأنهيار النفسي المجتمعي درس قاسي سببته أحزاب الخراب التي يقودها مجاميع من الجهلةالموتورين المتهورين المنبوذين الدجالين المتنافسين على إبداء وجهات نظرهم وتزويقها بكلمات الوطنية وشعارات الله وأكبر ممن يعتبرون ظهورهم على شاشات تلفزيونية وتصويرهم مهمة لشخصياتهم .
قدرُ العراق كان ولازال وقوعه بيد مجموعات من القتلة تؤمن بالنزاع وظهور موجات حزبية جديدة أصبح لها مواقع مهمة في دولة لاتحمل أي عقيدة أم منهج أهم من فتح جبهات حرب داخلية وخارجية . العقيدة الحزبية متخشبة في افعالهم الصلفة الوقحة وهم يرتمون في أحضان دول تشجعهم على السير في هذا النهج .
وغداً مصيرك لا تراجع بعده .. إما جنان الخلد وإما الهاوية
ضياء الحكيم
كاتب وباحث سياسي
التعليقات