ينتظر المراقبون ان تعطي زيارة حيدر العبادي الى امريكا، وماحفلت به من مداولات واتفاقات وتوصيات، نتائج تؤثر على نحو مباشر في الواقع السياسي ومعادلاته السائدة منذ سنوات، وان ماجرى سوف ينقل المزاج العام نحو امريكا ، بعد مطاليب امريكا بأضعاف الدور الايراني ونفوذه في العراق ، وفي عزل الاحزاب الاسلامية الموالية لايران عن السلطة، وتقليص دور الحشد الشعبي ودمجه في المؤسسة العسكرية واخضاعه لسلطة الحكومة والقانون ..!
الذي ينتظر هكذا إجراءات ،يشبه اصطياد الهواء في شبك ، فالقراءة التفصيلية للواقع السياسي العراقي تعطي نتائجها صريحة بآن مركز الجذب وقوة التأثير والإجراء باتت بيد اللاعب الايراني، وهو مطمئن لهذا الواقع بفعل امتلاكه لخيوط النسيج السياسي العراقي ، فهو يمسك بطرف سني فاعل في المشهد الداخلي، ووثيق الصلة والمصالح مع احزاب كردية لها شآن في كردستان وتأثير في القرار الكردي ، ناهيك عن الهيمنة شبه المطلقة على الاحزاب الشيعية، وحركاتها المتناسلة بوفرة ولائية أجادت السياسة الايرانية توظيفها بأتقان يجمع ماهو سياسي بالعقائدي ، بعد ان وجدت الساحات الجماهيرية مفتوحة امامها ومطيعة دن اعتراض او مزاحمة .
امريكا خسرت الموقف بعد عشر سنوات تقريبا من اهمال الملف العراقي، والانسحاب بطريقة مذلة تشبه الهروب، وصارت تشخص امام العراقيين سببا في كل انواع البلاء والكوارث التي اصابتهم ، اضافة لاشتداد المعركة الداخلية بطابعها الطائفي، الذي تجذر اكثر مع دخول داعش على خط الاحداث ، واحتلالها للمدن العراقية ومانتج عنها من كوارث وفواجع لم تزل تشكل صدمة كبرى وتاريخية غير مسبوقة بخسائرها وتمزيقها للنسيج العراقي ، وبروز قوات الحشد الشعبي كقوة تحرير للأرض وفصائل عقائدية ضامنة للسلطة الشيعية، كما تروج له بعض الأوساط السياسية ، هذه المؤشرات وغيرها، لاتضع المشروع السياسي موضعا صعبا وحسب، بل تجعل رئيس الحكومة حيدر العبادي بموقف عاجز تماما ً، لأنه " اي العبادي " سيدخل بتصادم مع اطراف سياسية لها أذرع مسلحة قوية وفاعلة، وهنا يتعذر الأمر على الدور الحكومي ومؤسساته الأمنية ، التي تقودها احزاب سياسية صريحة الولاء لايران .
لتحقيق مثل هكذا شروط ان وجدت فعلا في جدول مهام العبادي بعد الزيارة، فأن الأمر يستلزم وجود جيش امريكي لتولي مهام ادارة مثل هذه الملفات الامنية والسياسية ، الامر الذي يجعله بموقف متصادم مع ايران، وهو ماتبحث عنه ايران بشهية عالية لكي تطبع تاريخ امريكا بفيتنام ثانية تحدث في العراق، وتعفيها عن اي حرب مباشرة معها .
ايران لن تتنازل عن المكاسب التي حققتها في العراق، واذا كانت سوريا قد استنزفت منها مليارات الدولارات وعشرات القادة والضباط والنخب القتالية المتميزة، فكيف سيكون الحال مع العراق، وهو المصد النوعي بشريا وماليا وعقائديا للامبراطورية الايرانية ..؟
نخلص من هذا الى حقيقة ان مايحدث هي محاولة ضغط امريكي بأتجاه ايران، ولاشيء يحدث دون موافقة ايران ، وماترسم له من استثمار سياسي وتعظيم الدور الاقليمي لها سواء في ملفاتها المباشرة مع امريكا، أم في ملفات الدول التي تمثل فيها هيمنة سياسية واستقطاب شعبي ، الأمر الذي يجعل مشروع التغيير السياسي النوعي الذي ترنو اليه بعض الاطراف السياسية العراقية أو الاقليمية ، كالسراب للباحثين عن الماء في الصحراء .
التعليقات