تابعت في الأيام الأخيرة القمة الإسلامية ـ الأمريكية غير المسبوقة التي احتضنتها المملكة العربية السعودية، وشارك فيها نحو 55 من الرئيس دونالد ترامب مع قادة ورؤساء وممثلي الدول العربية والإسلامية. كما تابعت مختلف ردود الأفعال والقراءات التحليلية لنتائج هذه القمة التاريخية المهمة، واتفقت واختلفت مع ما طرح من رؤى وتصورات تحليلية من جانب المتخصصين والباحثين.

من ناحيتي أرى أن إيران طرحت كإحدى القضايا موضع الاهتمام وليست قضية مركزية لجميع الحضور، حيث تباينت بؤر الاهتمام بين القادة والزعماء، فقد ركز خطاب الرئيس ترامبمثلاً على مكافحة الإرهاب بالدرجة الأولى تليها إيران، التي وردت فقط في فقرة تبلغ نحو 300 كلمة فقط من إجمالي الخطاب المطول الذي بلغ نحو 2600 كلمة، بينما ركز العاهل السعودي في كلمته على التهديد الإيراني على بلاده ودول مجلس التعاون بالدرجة الأولى يليها قضية مكافحة الإرهاب، فيما ركز العاهل الأردني والرئيس المصري على قضية الإرهاب والقضية الفلسطينية، ولم يتطرقا إلى الخطر الإيراني، بل حرصا على طرح رؤية استراتيجية متكاملة للتعامل مع تحدي الإرهاب. والمؤكد أن تباين الأولويات في هذا المجال لا يعود إلى اختلاف في الرؤى والتصورات الاستراتيجية حول مصادر التهديد والخطر وانعدام الامن والاستقرار في الشرق الأوسط، ولكنه تباين بديهي بحكم أولوية كل ملف أو قضية لدى صانعي القرار في كل دولة على حدة.

بطبيعة الحال، فالعبرة ليست في عدد الكلمات التي تخص قضية إيران أو غيرها، بل بطبيعة المواقف التي اتخذتها الأطراف المعنية، وهنا اجزم بأن الرئيس ترامب كان حاسماً وواضحاً كعادته في التأكيد على خطر إيران، وضرورة التصدي لتهديداتها وعزلها دولياً، فلم تكن هناك مواربة ولا تردد في هذا الشأن، كما أبدت السعودية بدورها عزما وتصميماً، على التصدي للتهديد الإيراني، ومن ثم فإن إيران قد أصبحت في مواجهة تحالف دولي واضح يستهدف عزلها، والضغط عليها لتغيير سلوكها السياسي والأمني، وبات واضحاً لديها أن سيمثل خوض أي مواجهة مع السعودية خسارة مؤكدة لإيران في ظل انحياز العالم الإسلامي السني التام للموقف السعودي، ومساندة المملكة في موقفها، وهذه رسالة بالغة من المؤكد أن ملالي إيران سيقفون عندها بتركيز شديد.

لم تجد إيران رداً على الاصطفاف العالمي ضدها في الرياض، سوى كلمات لا معنى سياسي حقيقي لها وردت على لسان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي قال إن واشنطن "تحلب" السعودية. وأشار ظريف، في "تغريدة" نشرها على حسابه في موقع "تويتر"، إلى تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي أشاد فيها باستثمارات السعودية الضخمة في بلاده، قائلا بسخرية: "إن إيران، التي أجرت للتو انتخابات حقيقية، تُهاجم من قبل الرئيس الأمريكي في قاعدة الديمقراطية والاعتدال السعوديةوأضاف وزير الخارجية الإيراني متسائلا: "هل هذه سياسة خارجية أم حلب 480 مليار دولار من السعودية؟".

السؤال هنا هو: هل يصدق ظريف "الظريف" أن الملالي ينظمون انتخابات حقيقية؟! ولماذا لا يسأل نفسه عن مليارات النفط التي يهدرها الملالي على الميلشيات ووكلاء الشر والإرهاب في مختلف الدول ويحرمون الشعب الإيراني منها، بدلاً من إبداء استغراب مصطنع حول اتفاقيات استثمار معلنة بين الدول!!

على أي حال، فالأرجح أن رد الفعل الإيراني حيال نتائج القمة الإسلامية ـ الأمريكية سيتوقف على نتائجالنقاش والحديث الإيراني مع الحليف الروسي، بمعنى أن روسيا هي التي ستحدد طبيعة الموقف الإيراني، سواء إلى استمرارية نهج التدخل والتصعيد، أو العمل على التهدئة واحتواء التوتر المتفاقم، الذي قد ينتهي بسقوط نظام هو بالفعل آيل للسقوط بفعل خيباته المتوالية في تحقيق أي تنمية داخلية.

لا يمكن أيضاً فهم خطاب الرئيس ترامب أمام قادة وزعماء العالم الإسلامي سوى من خلال كونه جهد واضح لإعادة العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي إلى أوضاعها الطبيعية بعدما أثارت حملته الانتخابية مخاوف بترويجها لخطاب عُدَّاء تصعيدي ضد المسلمين، وفي هذا الإطار نجد أن ترامب قد ركز على ذلك بقوله إن "فصلا جديدا قد فتح"، مضيفا أنه "لم يأت إلى هنا من أجل إلقاء محاضرات أو فرض الطريقة الأمريكية في الحياة، ومن ثم فقد بدا أقرب إلى إعادة صياغة العلاقات مع العالم الإسلامي، من خلال طرح صيغة الشراكة بدلاً من العداء. وهنا نلحظ أن القمة قد دشنت بقوة خطاً سياسياً أمريكياً مغايراً تماماً لنهج الرئيس السابق أوباما في التعامل مع إيران، حيث نأى الرئيس ترامب بنفسه عن سياسة التقارب الحذر أو المحسوب مع إيران، التي انتهجها سلفه الرئيس السابق باراك أوباما، الذي اعتمد في حسابات إدارته على بناء نوع من التوازن في العلاقات عبر ضفتي الخليج العربي، وتحديداً بين السعودية وإيران، بهدف تقليص الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج العربي، ومنح أولوية قصوى لاستراتيجية "آسيا أولاً"، بهدف التصدي للطموح الصيني المتصاعد استراتيجياً في شرق آسيا. ولم يكن ترامب ليبتعد عن هذه الاستراتيجية سوى لأنها لم تفلح سوى في منح إيران فرصة ثمينة للتمدد الاستراتيجي والتوسع المذهبي على حساب مصالح الحلفاء الاستراتيجيين التقليديين للولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي.