حق تقرير المصير كان الهدف الأسمى لكل القوى السياسية الكردية التي خاضت نضالها القومي منذ أواخر القرن التاسع عشر.وقد أطلقت تفسيرات عديدة لهذه المسألة وحسب الظروف التي أحيطت بالقضية الكردية التي برزت بكل وضوح في القسم الجنوبي من كردستان الكبرى، ونعني به كردستان العراق. فالشيخ محمود الثائر الكردي الذي أعلن الثورة ضد الحكومة العراقية والإنكليز لم يتردد في ظروف متاحة أن يعلن نفسه ملكا على كردستان ويشكل حكومة محلية في منطقة السليمانية. وفي الطرف الآخر ناضل الشعب الكردي في كردستان الإيرانية من أجل حقوقهم القومية ونجحوا في تأسيس جمهورية مهاباد الكردية عام 1946. وهذان كيانان أسقطا من الخارج، أي بتعاون النظام الحاكم فيهما مع القوى الخارجية،وهذا سيكون تهديدا قائما في كل الأحوال..أما في الجزء التركي فلم يتوقف الكفاح الكردي لنيل الحقوق القومية ومازال حزب العمال الكردستاني يسعى الى تحقيق تلك الحقوق. وفي كردستان الغربية السورية كانت هناك أيضا أحزاب كردية تسعى لنيل شعبها حقوقه القومية،ولكن مع نشوء حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي قبل سنوات قليلة حقق الشعب الكردي هناك طفرة نوعية بإتجاه الحصول على حقوقه، حتى غدى اليوم هو القوة الرئيسية التي تقود النضال الكردي بذلك الجزء.

أعلن الملا مصطفى البارزاني ثورته في كردستان العراق عام 1961 رافعا شعار (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان)، وإستمر على هذا الشعار رغم إمتلاكه قبيل إعلان سقوط ثورته في 6 آذار 1975 لأكثر من 300 ألف مقاتل يرابطون في جبال كردستان ويسيطرون على معظم مناطقها ولديهم أسلحة متقدمة ويتلقون الدعم الكامل من نظام الشاه وبعض الدعم من أمريكا وإسرائيل، ومع ذلك إستسلم البارزاني الأب لإرادة الشاه الذي رأى من مصلحته التصالح مع نظام البعث العراقي، فإنهى البارزاني الأب ثورته ضد النظام العراقي.

وحين تسلم مسعود بارزاني قيادة حزبه ظل متحالفا مع إيران الخمينية مكتفيا بالمطالبة بحق الحكم الذاتي، وحين نجحت إنتفاضة الشعب الكردستاني في آذار 1991 وتم طرد القوات العراقية من جميع مناطق إقليم كردستان الحالية وتحرير كردستان من قبضة النظام البعثي لم يجرؤ مسعود بارزاني بالدعوة للإستقلال، بل جعل شعاره الأثير (الحكم الذاتي) هو الدعاية الإنتخابية لحزبه لإنتخابات برلمان كردستان عام 1992، في حين أن الإتحاد الوطني دعا الى الفدرالية وهو أول حزب سياسي كردي يدعو الى تحقيق المصير وجعله شعارا أساسيا لحزبه منذ تأسيسه عام 1975.

وبعد سقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003 كانت هناك فرصة أخرى لإعلان الإستقلال حيث كان الكرد القوة الأكثر تنظيما وتأثيرا في العراق حينذاك، ولكن مسعود بارزاني هو أول من إلتحق ببغداد وسعى مع حكومة الإحتلال لوضع الدستور العراقي الموحد ووضع توقيعه عليه معلنا إتحاد إقليم كردستان مع العراق الجديد.

ولذلك فإن حق تقرير المصير هو شعار جديد يسعى بارزاني لتحقيقه في ظل ظروف محلية وإقليمية ودولية غير مؤاتية، لا لشيء سوى لتحقيق بعض المكاسب الحزبية وهذا ما قاله بصراحة ووضوح في لقاءاته الصحفية حين أكد بأن الإستفتاء لايهدف الى الإنفصال عن العراق وإستقلال الشعب الكردي؟!.

المهم في كل هذا أن الظروف الحالية لاتساعد على تحقيق هذا الحلم الكردي الأثير بالإستقلال وتأسيس الدولة المستقلة، ففي الجانب المحلي هناك إنقسام كبير بين الأحزاب والقوى السياسية، فحزب بارزاني وبعض الأحزاب الكرتونية الصغيرة تقف في جهة وتسعى الى تثبيت حكم دكتاتوري قمعي تسلطي، وفي الجانب الآخر تقف معظم القوى السياسية الرئيسية التي تدعو الى نظام برلماني تعددي ينتخب الرئيس من داخله ويكون هناك تداول سلمي للسلطة مع ضمان تحويل تلك السلطة الى سلطة الشعب من خلال إعطاء دور أكبر للبرلمان وتأسيس حكومة المواطنة بديلا عن حكومة اللون الواحد.

وعلى الصعيد الإقليمي،هناك تركيا وإيران اللتان تعاديان الى حد العظم تطلعات الشعب الكردي بالإستقلال، حتى أن هاتين الدولتان تهددان بفرض حصار إقتصادي وسياسي على إقليم كردستان في حال أعلن الإستقلال وهذا يعني الموت المؤكد جوعا للشعب الكردي لأن 99 بالمائة من غذاء الشعب تأتي من هاتين الدولتين حاليا كنتيجة للسياسات التدميرية لإقتصاد الإقليم من قبل حزب بارزاني.وجدير بنا أن نشير هنا الى تصريح أدلى به بارزاني مؤخرا والذي لايليق بزعيم يقود شعبه نحو التحرر، حين قال" سنعلن دولتنا وليمت شعبنا جوعا"؟؟؟!!!!.

وأما على الصعيد الدولي فإن العالم برمته مشغول حاليا بالحرب ضد داعش والإرهاب العالمي الذي لن ينتهي طبعا بإنتهاء داعش، وأن الجهود الدولية منصرفة حاليا في المنطقة لدعم إستقرارها وليس تفتيت دولها وخلق صراعات إقليمية جديدة العالم في غنى عنها حاليا، وبذلك فإن المواقف الدولية ( أمريكا وروسيا وبريطانيا وألمانيا والإتحاد الأوروبي) تدعو الى عدم الإقدام على هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر، فهل سيرجع بارزاني الى رشده ويأخذ كل هذه الظروف المحيطة به بنظر الإعتبار، ويعود الى صف شعبه وقواه السياسية ليصرف جهوده لأجل إنهاض الإقليم وحل مشاكل مواطنيه والمصالحة مع شعبه عن طريق تحسين ظروفه المعيشية والخدمية، ويعمل من أجل بناء محطات الكهرباء وشبكات الطرق وتوفير المياه الصالحة للشرب من خلال مصالحة حقيقية مع بغداد وحل مشاكله معها لكي تعود ميزانية الإقليم الى ماكانت عليه وتستخدم لدفع رواتب الموظفين المقطوعة وتخصيص الموارد للبنى التحتية، أو سيمضي في عناده ليسير بالإقليم الى مصير قاتم بكل تأكيد؟. هذان هما الخياران المتاحان حاليا أمام البارزاني، فلننتظر..