عبر التاريخ، لم يكن للأكراد "دولة" مستقلة خاصة بهم، في المناطق التي يعتبرونها موطنهم التاريخي "كردستان"،( اقليم جبلي مساحته نحو 200 الف كم2تتقاسمه كل من ايران،تركيا،العراق). هل سيحقق (مسعود البرزاني) الحلم الكردي بإقامة "دولة كردية" في الاقليم الشمالي للعراق المتمتع "بحكم ذاتي فدرالي" يرأسه ويهيمن عليه البرزاني وحزبه (الديمقراطي الكردستاني)؟؟. أم أنه سيعيد تجارب كردية فاشلة سببت مزيد من المآسي للكورد ؟؟. مثل "جمهورية مهاباد" الايرانية، التي اعلنها (محمد قطب) 1946 بتشجيع من الملا (مصطفى البرزاني- والد مسعود)، رغم تحذيرات السوفييت، منتهزاً فرصة هزيمة ايران واجتياح اراضيها من قبل الجيوش البريطانية والسوفيتية في الحرب العالمية الثانية. مهاباد كانت ضمن المناطق الايرانية الخاضعة للجيش السوفيتي. بعد انتهاء الحرب، سحب السوفييت قواتهم من ايران، تنفيذاً للاتفاق مع ايران وبريطانيا، تاركين (جمهورية مهاباد) تواجه مصيرها على أيدي القوات الإيرانية. انتهت، بعد أقل من عام من تاريخ إعلانها، بإعدام رئيسها محمد قطب، فيما تمكن الملا مصطفى البرزاني من الإفلات واللجوء الى الاتحاد السوفيتي. 

الظروف والأوضاع (الكردية، العراقية،الإقليمية، الدولية) تغيرت كثيراً عما كانت عليه عام 1946، باتت أكثر مؤاتيه لقيام "كيان كردي" مستقل. تطورات وتحولات دراماتيكية مهمة (سياسية، أمنية، مجتمعية، فكرية) جرت وتجري في العراق ودول منطقة الشرق الأوسط، تحفز وتحمس أكراد العراق على الانفصال. البرزاني، يريد الاستفادة من كل هذه التحولات وانتهاز فرصة ضعف الدولة العراقية وانشغالها،وبقية دولة المنطقة، بالحرب على داعش وبأزماتها وحروبها الداخلية. لكن هل من رغبة دولية بولادة دولة كردية؟؟. وهل وجود دولة كردية في هذه المرحلة يخدم (المصالح الاستراتيجية) للدول العظمى في هذه المنطقة الحيوية من العالم ؟؟. الإجابة على هذه التساؤلات، جاءت سريعة من دول كثيرة. بعضها تحفظ على "الاستفتاء الكردي" وبعضها الآخر رفضه. امريكا(الحليف التاريخي للأكراد) أكدت على تمسكها بوحدة العراق الفيديرالي وهي ترى إجراء الاستفتاء في هذا الوقت يُصرف النظر عن الحرب على "داعش- الارهاب". الأمم المتحدة، رفضت ارسال لجان الى الإقليم للأشراف على عملية الاستفتاء. ليس سراً، بأن دول الجوار(ايران، تركيا، سوريا)،رغم الخلافات الحادة والعميقة بينها، متفقة على العمل معاً للحيلولة دون قيادة "دولة كردية" حماية لأمنها الوطني. الدول الثلاث، تدرك جيداً بأن استقلال أكراد العرق سيفتح شهية أكرادها على الانفصال. كما هو معروف، (الحكومة الاتحادية) في بغداد، أكدت في أكثر من مناسبة على رفضها استفتاء كردي غير دستوري جاء من طرف واحد،خلافاً لرغبة وإرادة بقية مكونات الشعب العراقي. مسعود البرزاني، الطامح لدخول التاريخ كبطل قومي للأكراد وكرجل الاستقلال الكردي، يدرك الألغام، السياسية والغير سياسية، الموضوعة في طريق الأكراد الى الاستقلال. وهو يعلم بأن المصير السياسي للإقليم الكردي في النهاية لن يتوقف على نتائج الاستفتاء الذي اعلنه وينوي إجراءه يوم 25 أيلول القادم، وإنما على "الموقف الدولي" من اعلان "الدولة الكردية". فمن غير الممكن قيام دولة جديدة في أي منطقة من العالم، تنضم الى (الاسرة الدولية)، بدون رغبة وموافقة الدول النافذة والفاعلة في السياسة الدولية. أن يطرح السيد (مسعود البرزاني) انفصال واستقلال "كردستان العراق" للاستفتاء، وهو يدرك كل هذه التحديات والعقبات والتحذيرات، يترك إشارات وعلامات استفهام عديدة حول نواياه الحقيقية من هذا الاستفتاء. مقاربة موضوعية للحالة الكردية والعراقية عامة، تقودونا للقول، بان مسعود البرزاني،المنتهية ولايته الدستورية كرئيس للإقليم منذ 19 آب 2015 يريد من" قفزته السياسية" نحو الاستقلال، كسب "شرعية شعبية" من الجماهير الكردية، المتحمسة لإعلان الدولة الكردية، تعويضاً عن "الشرعية الدستورية" التي فقدها. كما يريد من الاستفتاء "ورقة ضغط" على حكومة بغداد، لإرغامها على تقديم تنازلات في القضايا والملفات الخلافية لصالح حكومته في اربيل، في مقدمتها، قضية "كركوك" وبقية المناطق المتنازع عليها. في مقابلة له، مع موقع( المونيتور) كشف رئيس برلمان اقليم كردستان العراق ( الدكتور محمد يوسف صادق) عن الأزمة السياسية والاقتصادية التي يعاني منها الاقليم منذ سنوات. صادق، المنتمي الى "حركة التغير" المعارضة، قال: " الدولة تبنى ولا يتمّ إعلانها. يجب أن تكون هناك بنية تحتيّة ومؤسساتيّة وسياسيّة لبناء الدولة. وبعد ذلك، يتمّ التفاوض مع الحكومة الاتحادية لإعلان الدولة. هناك تعقيدات على المستوى الداخلي، إذ لا توجد مؤسسات ولا وضع اقتصادي جيد.. إضافة إلى كل هذا، هناك تعقيدات دولية". يضيف،صادق" منعوا دخولي إلى اربيل، وهي مقرّ البرلمان، من أجل تعطيل عمل المجلس حتى لا تتم عملية حل قضية رئاسة الإقليم وانتخاب رئيس جديد. أن تراكم المشاكل وإصرار البارزاني على البقاء غير الشرعي في السلطة، يهدد السلم الاجتماعي في الإقليم وينذر بحرب أهلية، قد تكون أكثر ضراوة على المستوى المحلي والإقليمي.". كلام رئيس برلمان الاقليم، يعزز الاعتقاد بأن طرح انفصال واستقلال أكراد العراق للاستفتاء في هذه المرحلة، ليس مفصولاً عن الأوضاع المتردية في الإقليم والمرشحة للتفاقم والتصادم بين حكومة مسعود والمعارضة. البرزاني، يريد الهروب من الأزمة التي تعصف بـ"مملكته"، وإشغال الرأي العام الكردي بقضية الانفصال واعلان "الدولة الكردية المستقلة".

كاتب سوري
[email protected]